للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن القيم: أهل القرآن هم العالمون به العاملون بما فيه وإن لم يحفظوه عن ظهر قلب، وأما من حفظه ولم يفهمه ولم يعمل بما فيه، فليس من أهله، وإن أقام حروفه إقامة السهم (١).

والتدبر يقوم على أمرين؛ الفهم، والاتعاظ، وطريق الفهم في معرفة اللسان العربي ومراجعة كتب التفسير فيما يشْكل، وطريق الاتعاظ إزالة الحجب والأقفال التي تمنع تفاعل القلب مع مواعظ القرآن، وتخير أوقات الصفاء والفراغ من مشاغل الدنيا، ولذا كان في التلاوة ليلًا ميزة، قال تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل: ٦].

وأفضل القرآن ما كان في الصلاة وفي قيام الليل أخص؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «لَا حَسَدَ إِلَّا عَلَى اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ هَذَا الْكِتَابَ، فَقَامَ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ، وَآنَاءَ النَّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالًا، فَتَصَدَّقَ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ، وَآنَاءَ النَّهَارِ» (٢).

والمقصود بالحسد في الحديث: الغبطة، حيث أفضل الأماني لدى المؤمن التي يغبطه عليها أقرانه من المؤمنين قيام الليل بالإطالة فيه بالقرآن.

ولا بد من إتقان تلاوته حتى يحظى بطبقة السفرة الكرام البررة لحديث عَائِشَةَ -رضي الله عنها-، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ، لَهُ أَجْرَانِ» (٣).


(١) زاد المعاد (١/ ٣٣٨).
(٢) صحيح مسلم (١/ ٥٥٩ ح ٨١٥).
(٣) صحيح مسلم (١/ ٥٤٩ ح ٧٩٨)، والبخاري بنحوه (٦/ ١٦٦ ح ٤٩٣٧).

<<  <   >  >>