للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حملها كثير من المفسرين على أن الرياح اللواقح تلقح النباتات فتحمل الطّلع من الذكر إلى الأنثى فتلقح بويضاتها، والحقيقة أن هذا الأمر مما يتحقق بواسطة الرياح، إلا أن سياق الآية في هذا المقام لا يحتمل ذلك بل يشير إلى حقيقة أخرى أدق وهي «تلقيح السحب» (١).

وقد توصل العلم الحديث إلى أن نمو السحب ونزول المطر يتطلب أن تلقح الرياح هذه السحب بأكداس من جسيمات مجهرية تسمى (نويات التكاثف)، ومن أهم خواص هذه النويات أنها تمتص الماء أو تذوب فيه، وتحمل الرياح كذلك بخار الماء وتلقح به السحاب لكي يمطر، وتتم العملية بتجمع جزئيات الماء المنفصلة والموجودة في الهواء حول نويات التكاثف العملية بتجمع جزيئات الماء المنفصلة والموجودة في الهواء حول نويات التكاثف حيث إن أصغر نقط الماء تحتوي على ما لا يقل عن (١٠٠) جزئي وليس من السهل أن يتجمع مثل هذا العدد مع بعضه لمجرد الصدفة ما لم توجد نويات تترسب عليها الجزيئات وتحتفظ بها، وعلى هذا النحو عرف الناس الآن أن الآية الكريمة إنما تشير إلى تلقيح الرياح للسحب ببخار الماء ثم بنويات التكاثف كخطوة أساسية لكي تجود بالمطر (٢).

أما قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ (٤٣) [النور: ٤٣]، فيشير إلى جملة من الحقائق الباهرة التي لم تكتشف إلا بعد تقدم علوم الأرصاد الجوية في العصر الحديث، من ذلك:

يقول علماء الأرصاد الجوية: إن المطر يتوقف على تكوين السحب


(١) أشار ابن القيم في كتابه «مفتاح دار السعادة» ص ٢٠١ إلى ذلك، حيث يقول: ( ...
فجعله رخاء- أي الهواء- ورحمة وبشرى بين يدي رحمته ولاقحا للسحاب يلقحه بحمل الماء كما يلقح الذكر الأنثى بالحمل).
(٢) «من روائع الإعجاز في القرآن» للدكتور جمال الدين الفندي، ص ٨٤.

<<  <   >  >>