هكذا نجد مواكبة القرآن الكريم لمسيرة الدعوة، وتوجيهها ورعايتها بإلقاء الضوء أمامها كلما اشتد الظلام وتفرقت السبل واختلط الأمر، وقويت وطأة التآمر من أعداء الله وراجت شائعاتهم، للنيل من وحدة المسلمين، وإلقاء الوهن في قلوبهم.
هذا هو الهدف الأساسي من ذكر هذا النوع من الغيب، ولكن هناك مقاصد أخرى تأتي تبعا، وقد نتوصل إليها كنتائج عند ما نتدبر النصوص التي كشفت النفاق والمنافقين وجميع أعداء الله.
فالنصوص التي استعرضنا قسما منها عرفتنا بحقيقة الأنفس التي بارزت الله والرسول بالعداء، لأن في ذكر خصال هذه الأنفس بتعرية النماذج الأولى منها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكشف حقيقتهم تمكينا للمسلمين في شتى عصورهم وعلى اختلاف أمكنتهم وأزمنتهم من معرفة أعداء الله، والأساليب التي يلجئون إليها، فهذه النماذج تتكرر باستمرار، فما وجدت دعوة وقائمون عليها لا بد من وجود أعداء يعلنون ما في قلوبهم من غيظ وحنق، ومنافقين يلبسون لكل حالة لبوسها.
وإلى جانب ذلك فهنالك بعض الحالات التي تنزل بشأنها الآيات الكريمة والأطراف فيها مؤمنون صادقون، قد زلت بهم القدم أو اجتهدوا اجتهادا لم يوفقوا فيه إلا لحصول أجر الاجتهاد فتنزل الآيات لتخبر رسوله بما جرى وما ينبغي أن يكون عليه الحال. ومن أمثلة ذلك:
أ- ما نزل في قصة التحريم في قوله تعالى: وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها