لم تنقطع سلسلة حفاظه الذين يتلقونه جيلا عن جيل من الصدور. ونجد الأمة بعد كل كبوة تستعيد فتوتها، وتجدد نشاطها، لتقوم بدورها الحضاري مرة أخرى وما ذاك إلا بفضل كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وتحقيقا لوعد الله الذي تكفل بحفظ كتابه: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (٩).
ثالثا: ما تحدث عنه القرآن الكريم ولم يقع إلى الآن، وسيقع حتما من غير ريب فمن ذلك ما ذكره القرآن عن أشراط الساعة والأحداث التي تقع قبيل قيامها وجاءت جملة منها في ثنايا الآيات الكريمة منها:
أ- في قوله تعالى:* وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ (٨٢)[النمل: ٨٢]. وجاء ذكرها مجملا، فلا ندرك حقيقتها ولا مكان خروجها، ولا وقته المحدد، إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فصّل القول في بعض أوصافها ومكان خروجها: فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تخرج دابة الأرض ومعها عصا موسى، وخاتم سليمان، فتجلو وجه المؤمن بالخاتم، وتخطم أنف الكافر بالعصا حتى يجتمع الناس على الخوان يعرف المؤمن من الكافر»(١).
وأخرج الطيالسي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وصححه وابن مردويه والبيهقي في البعث عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدابة فقال: لها ثلاث خرجات من الدهر، فتخرج خرجة بأقصى اليمن، فينشر ذكرها بالبادية في أقصى البادية، ولا يدخل ذكرها القرية- يعني مكة- ثم تكمن زمانا طويلا ثم تخرج خرجة أخرى دون تلك، فيعلو ذكرها في أهل البادية، ويدخل ذكرها القرية- يعني مكة- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثم بينما الناس في أعظم المساجد على الله حرمة وأكرمها، المسجد الحرام لم يرعهم إلا وهي ترغو بين الركن والمقام،
(١) رواه أحمد ٢/ ٢٩٥ وابن ماجة في كتاب الفتن باب دابة الأرض ٢/ ١٣٥١.