ثانيا: ما تحدث عنه القرآن الكريم ووقع بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أ- فمن ذلك قوله تعالى: قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ [الفتح: ١٦].
فقد استنفر رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعراب من حول المدينة في غزوة الحديبية، وتخلف كثير منهم خوفا من بطش قريش وسطوتها، وقالوا ما محمد وأصحابه إلا أكلة رأس، فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية جاءوا يعتذرون إليه ويقولون: شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا [الفتح: ١١].
ففتح الله تعالى لهم باب التوبة بشرط الاستجابة لنداء الجهاد في قوله تعالى: قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ... ولم يدع هؤلاء الأعراب في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما استنفروا للجهاد بعد وفاته في عهد الخلفاء الراشدين.
وقد تحقق ذلك في عهد الخلفاء من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فدحروا دولة الفرس والروم ووصلت الفتوحات الإسلامية إلى أطراف الصين شرقا وإلى المحيط الأطلسي غربا، وخضعت الشعوب والأمم للإسلام ودخل كثير منهم في الإسلام طواعية وعم ضياؤه أرجاء المعمورة وسارت الظعينة من حضرموت إلى صنعاء لا تخشى إلا الله والذئب على غنمها، وكان الناس في أمن وأمان. وكان كل ذلك في العهود اللاحقة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ج- وفي قوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (٩)[الحجر: ٩]، نبوءة متجددة مستمرة، فقد تعاقبت أحداث بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأمة
الإسلامية لو نزلت بأي أمة من الأمم لاندثر تاريخها، ولطمست معالم ثقافتها، ولبادت حضارتها كما بادت حضارات كثيرة في تاريخ البشرية. إلا أننا نجد أن كتاب الله الذي تكفل الله بحفظه