إلى عبادة خالق الكون ومبدعه، ونبذ عبادة الأصنام، طالبه المشركون بالدليل على صدقه، قال: دليل صدقي هو هذا القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، وهو يحمل في طياته برهان صدقه، لأنه لا يتأتّى لأحد من المخلوقين أن يفتري على الله أو يأتي بشيء من هذا القبيل وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٣٧)[يونس:
٣٧]. وبيّن لهم أنهم يدركون العجز من أنفسهم أن يأتوا بمثل القرآن، كما يعرفون عجز محمد صلى الله عليه وسلم أيضا لأنه نشأ بينهم أمّيا لم يتلق العلم على أحد من البشر فإذا كانوا وهم أصحاب البلاغة وفرسان الفصاحة ولهم القصيد العجيب والرجز الفاخر والخطب الطوال وغيرها من أفانين القول، إذا كانوا يعجزون عن الإتيان بمثل القرآن فكيف يتهمون محمدا الأمي بأنه تقوّله أو افتراه من عند نفسه؟! قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٦)[يونس: ١٦]، أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (٣٠) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (٣١) أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (٣٢) أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٣) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (٣٤)[الطور: ٣٠ - ٣٤].
لقد شعروا بعجزهم في قرارة أنفسهم عند ما دعوا إلى معارضة القرآن والإتيان بمثله، ولكنهم عاندوا واستكبروا ولم يستجيبوا لنداء العقل وأحاسيس الفطرة التي يستشعرونها في داخلهم، وقالوا عند سماع آيات القرآن تقرع مسامعهم وتتحداهم وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٣١)[الأنفال: ٣١].
ولم يتركهم القرآن الكريم يقولون قولتهم وينصرفون، بل لاحقهم بقوارع تنبيهاته وألهب مشاعرهم بأعنف الكلمات وسجّل كذبهم وافتراءهم في مزاعمهم وعجزهم المطلق في هذا الصدد قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (٨٨)[الإسراء: ٨٨].