وعند ما ضاقت عليهم الحيلة وسدّت في وجوههم السبل طرقوا كل باب في الادعاء والافتراء والبهتان لشدة حرصهم على إبطال شأن القرآن والتشكيك في ربانية مصدره فقالوا: أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (٥)[الفرقان: ٥].
ولكي يلقوا ظلالا من الشكوك على افترائهم لعلها تكون مستساغة عند الجاهلين بواقع الأمور قالوا إن الذي يعلّمه ليس من قريش وإنما هو رجل لديه علم لم تعلمه قريش، ولكن أنّى لأعجمي أن يأتي ببيان معجز للعرب الفصحاء؟!: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (١٠٣)[النحل: ١٠٣].
لم يكتف القرآن الكريم بتسجيل العجز مجتمعين، بل أثارهم فرادى وسجل على زعمائهم الخزي والعار. واقرأ ما ورد في شأن الوليد بن المغيرة: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (١١) وَجَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً (١٢) وَبَنِينَ شُهُوداً (١٣) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (١٤) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (١٥) كَلَّا إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً (١٦) سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (١٧) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (١٨) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (١٩) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (٢٠) ثُمَّ نَظَرَ (٢١) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (٢٢) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (٢٣) فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (٢٤) إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (٢٥) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (٢٦) ... [المدثر: ١١ - ٢٦].