ورأي الجمهور هنا هو الذي يظاهره ويؤيده ظاهر مراحل التحدّي فيه إلا أنّ لنا ملاحظة على القياس الذي زاده بعضهم وهو (مقدار السورة الواحدة) فالمقرر لدى الجمهور أنّ السورة جاءت منكّرة فشمل السور الطويلة والقصيرة. وأقصر سورة في القرآن الكريم مقدارها ثلاث آيات، فهل كل ثلاث آيات في السور الطوال- أو التي تزيد آياتها على ثلاث- هي معجزة بغضّ النظر عن ارتباط هذه الآيات ببعضها، أو وحدة موضوعها وهدفها؟.
إننا نجد كثيرا من الآيات المفردة في القرآن تزيد على كثير من السور القرآنية القصيرة، وإننا نلاحظ أن للسورة القرآنية شخصية وذاتية مستقلة تختلف من حيث الأداء والمقاطع والمفاصل عن غيرها من السور، وإن كانت متشابهة في الموضوع والهدف. ولعل هذا دفع بعض العلماء إلى تعريف السورة بقولهم: «السورة: قرآن يشتمل على آي، ذي فاتحة وخاتمة، وأقلّها ثلاث آيات) (١). وهذه الفاتحة والخاتمة ووحدة الشخصية واستقلالها لا نجدها في الآية الواحدة، أو حتى في الآيات المتعددة أحيانا.
وهذه الميزات بارزة في السور القصيرة أكثر من غيرها لو تدبّرناها لوجدنا أنها تضاهي الطوال رباطا ونظاما، فإن دقة العلاقة ولطافة الرباط في آيات القصار مثل ما هي في الطوال.
والسورة القصيرة قد تضمنت في الغالب أصول الدين ونبهت على أسس العقيدة، لذا نجد في بعض الآثار وصف بعضها بأنها تعدل ثلث القرآن أو نصفه أو ربعه وما ذلك
إلا لأن ألفاظها القليلة تضمنت حقائق ضخمة عامة. والحكمة في تضمّن هذه السور مثل هذه الأمور العظام- والله أعلم- هي أن أصول الدين وأسس العقيدة تشتدّ الحاجة إلى حضورها في القلوب وسيطرتها على الأفكار، فأودعت في كلمات مختصرة تامة لتكون