إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٨) بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٣٩)[يونس: ٣٨ - ٣٩]. ولقطع دابر وساوس الشيطان ونزغات أهل الباطل المرجفين، ولكي لا يقال إن محمدا تحدّى أهل مكة، والأمية فاشية فيهم، ولا علم لهم بعلوم الأديان وبالأنبياء والكتب، ولو أنه تحدّى غيرهم لأمكنهم أن يأتوا بمثل قرآنه، كرّر في المرحلة المدنية وبين ظهراني أهل الكتاب وسجل العجز المطلق لكل المخلوقين إلى يوم القيامة. ولا زالت أصداء هذا التحدّي مستمرة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وستبقى أصداؤه في أذن الزمن على مر العصور ليبرهن على خلود الرسالة وصدق صاحبها:
من هذا العرض الموجز لمراحل التحدّي نجد أن التحدّي استقر على تحديهم بأن يأتوا بمثل سورة من القرآن الكريم.
وبما أن السورة جاءت بلفظ نكرة (بسورة) فهي تشمل كل سورة في القرآن طويلة أو قصيرة، فيكون القدر المعجز من القرآن هو السورة من القرآن الكريم طويلة أو قصيرة. هذا هو رأي جمهور العلماء إلا أن بعضهم زاد على ذلك: أن مقدار السورة القصيرة وهي ثلاث آيات معجز أيضا.
ونقل عن بعض المعتزلة قولهم: إن الإعجاز يتعلق بجميع القرآن لا ببعضه. وهذا الرأي مصادم لآيات التحدّي التي تدرّجت في التحدّي بكل القرآن إلى التحدّي بعشر سور إلى التحدي بسورة واحدة.
وذهبت طائفة أخرى إلى أن الإعجاز في القليل والكثير من القرآن دون تقييد بسورة. واستدلوا بظاهر قوله تعالى: فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ [الطور: ٣٤]. وقالوا المقصود بالحديث: أيّ كلام يفيد معنى سواء كان آية أو أكثر أو أقل.