للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هو سرّ الإعجاز فيه. فمثلا يقول: في التعليق على قوله تعالى: في وصف خمر أهل الجنة لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ: (هاتان الكلمتان جمعتا جميع عيوب خمر أهل الدنيا)، وقوله عزّ وجلّ حين ذكر فاكهة أهل الجنة لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ: (جمع بهاتين الكلمتين جميع تلك المعاني).

إلا أن كتاب الجاحظ «نظم القرآن» لم يصل إلينا وإنما بقيت الإشارة إليه من خلال كتاباته، وكتابات غيره من الأدباء.

ونهج الأدباء الذين جاءوا بعد الجاحظ نهجه في الكشف عن المعاني الدقيقة والإشارات اللطيفة في آيات القرآن الكريم، وألفوا رسائل في نظم القرآن. فمن هؤلاء الذين ألفوا على غرار الجاحظ أبو بكر عبد الله بن أبي داود السّجستاني المتوفى سنة ٣١٦ هـ حيث ألّف كتابا وسماه «نظم القرآن».

وكذلك أبو زيد البلخي أحمد بن سليمان المتوفى سنة ٣٢٢ هـ وسمى كتابه «نظم القرآن» أيضا. كذلك أبو بكر أحمد بن علي المعروف بابن الإخشيد المعتزلي المتوفى سنة ٣٢٦ هـ وسمى كتابه أيضا «نظم القرآن».

وقد تعرض العلماء إلى وجوه إعجاز القرآن من خلال كتبهم المختلفة حول الدراسات القرآنية، فنجد الإمام أبا محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدّينوري المتوفى سنة ٢٧٦ هـ قد تصدى للطاعنين في القرآن بشكل عام والمنكرين لإعجازه بشكل خاص في كتابه الجليل «تأويل مشكل القرآن» ففنّد مزاعمهم. وكان يمثل إمامة أهل السنّة والجماعة في طبقة الأدباء كما كان يمثل الجاحظ طبقة الأدباء من المعتزلة.

يقول ابن قتيبة في أول كتابه «تأويل مشكل القرآن»: الحمد لله الذي نهج لنا سبل الرشاد وهدانا بنور القرآن ولم يجعل له عوجا، بل نزله قيّما مفصّلا بيّنا، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ... وقطع بمعجز التأليف أطماع الكائدين وأبانه بعجيب النظم عن حيل المتكلمين، وجعله متلوّا لا يملّ على طول التلاوة، ومسموعا لا تمجّه الآذان، وغضّا لا يخلق على كثرة الترداد، وعجيبا لا تنقضي عجائبه،

<<  <   >  >>