للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فما كان في أعلاها طبقة فهو معجز، وهو بلاغة القرآن. وما كان منها دون تلك فهو ممكن كبلاغة البلغاء من الناس.

وليس البلاغة إفهام المعنى، لأنه قد يفهم المعنى متكلّمان أحدهما بليغ والآخر عييّ، ولا البلاغة أيضا بتحقيق اللفظ على المعنى، لأنه قد يحقق اللفظ على المعنى وهو غث مستكره ونافر متكلّف، وإنما البلاغة إيصال المعنى إلى القلب في أحسن صورة من اللفظ ... فأعلاها طبقة في الحسن بلاغة القرآن، وأعلى طبقات البلاغة للقرآن خاصة، وأعلى طبقات البلاغة معجز للعرب والعجم كإعجاز الشعر المفحم، فهذا معجز للمفحم خاصة كما أن ذلك معجز للكافة) (١).

ويقسم الرماني بعد ذلك البلاغة إلى عشرة أقسام هي: الإيجاز، والتشبيه، والاستعارة، والتلاؤم، والفواصل، والتجانس، والتصريف، والتضمين، والمبالغة، وحسن البيان.

ثم يفسر كل قسم منها، فيعرف الموضوع ثم يقسمه إلى نواحيه ويستشهد لكل ناحية بالآيات القرآنية، ويسوق أحيانا بعض الأبيات من الشعر، أو كلام منقول عن العرب للمقارنة والموازنة. ويستغرق حديثه عن هذا الوجه من ص ٧٦ - ١٠٩. ثم يتحدث عن الوجوه الستة التي ذكرها في أول الرسالة، حديثا موجزا، حيث استغرق الكلام عنها من ص ١٠٩ - ١١٣.

والمأخذ الذي أخذ على الرماني في كتابه أنه جعل الصرفة وجها من وجوه الإعجاز. وعلى الرغم من أنه لم يدافع عن هذا الوجه ولم يشرحه، إلا أن مجرد ذكره من بين وجوه الإعجاز وتأييده بقوله: (وهذا عندنا أحد وجوه الإعجاز التي يظهر منها للعقول) وهو في واقع الأمر يتناقض مع ما ذهب إليه في وجه البلاغة، كما سنبيّنه عند الحديث عن الصرفة.

كما أن حجج الرماني على القول بنفي السجع من القرآن لم تكن


(١) «النكت في إعجاز القرآن» للرماني، ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن، ص ٧٦.

<<  <   >  >>