للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لم يؤلف الزمخشري مؤلّفا خاصّا بالإعجاز، إلا أنه سلك في تفسيره مسلكا دقيقا أبرز فيه وجوه إعجاز القرآن من خلال الأساليب البلاغية التي نبّه عليها وهو يفسر الآيات القرآنية. وعلى الرغم من أنه لم يقف عند كل كلمة، إلا أنه يطيل الوقوف عند الآيات التي تكشف له وجوها من روائع البيان وعجيب النظم في تقديم كلمة على كلمة أو اختيار كلمة بدل كلمة أو حرف مكان حرف، ويتحدث عن كل ذلك بأسلوب الأديب الضليع والبلاغي الذوّاقة الذي يتذوّق جمال الكلام وأفانين القول.

ولولا أن الزمخشري شوّه جمال تفسيره بمنازع المعتزلة أحيانا في تأويل بعض الآيات حسب أصولهم، لتبوّء تفسيره القمّة بين التفاسير البيانية.

وفيما يلي مقتطفات من تفسير الكشاف لمعرفة أسلوبه في عرض قضايا الإعجاز من خلال تفسير آيات القرآن الكريم.

يقول الزمخشري في مقدمة تفسيره:

( ... قرآنا عربيا غير ذي عوج، مفتاحا للمنافع الدينية والدنيوية، مصدقا لما بين يديه من الكتب السماوية، معجزا باقيا دون كل معجز على وجه كل زمان، دائرا من بين سائر الكتب على كل لسان في كل مكان، أفحم به من طولب بمعارضته من العرب العربان، وأبكم به من تحدّى به من مصاقع الخطباء، فلم يتصدّ للإتيان بما يوازيه أو يدانيه واحد من فصحائهم، ولم ينهض لمقدار أقصر سورة منه ناهض من بلغائهم، على أنهم كانوا أكثر من حصى البطحاء، وأوفر عددا من رمال الدهناء ... ) (١).

ويبين أنه لا ينبغي أن يتصدى لعلم التفسير إلا من كان على قدر كبير من معرفة علم المعاني والبيان. يقول في مقدمة تفسيره: (ثم إن أملأ العلوم


(١) انظر مقدمة «الكشاف» ص ١٠.

<<  <   >  >>