للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بما يغمر القرائح، وأنهضها بما يبهر الألباب القوارح، من غرائب نكت يلطف مسلكها، ومستودعات أسرار يدق مسبكها: علم التفسير، الذي لا يقوم لتعاطيه وإجالة النظر فيه، كل ذي علم، كما ذكر الجاحظ في كتاب «نظم القرآن» .. فالفقيه وإن برز على الأقران في علم الفتاوى والأحكام، والمتكلم وإن بزّ أهل الدنيا في صناعة الكلام، وحافظ القصص والأخبار وإن كان من «ابن القرية» أحفظ، والواعظ وإن كان من «الحسن البصري» أوعظ، والنحوي وإن كان أنحى من سيبويه، واللغوي وإن علك اللغات بقوة لحييه، لا يتصدّى منهم أحد لسلوك تلك الطرائق، ولا يغوص على شيء من تلك الحقائق إلا رجل قد برع في علمين مختصين بالقرآن، وهما: علم المعاني، وعلم البيان ..... وتمهل في ارتيادهما آونة، وتعب في التنقير عنهما أزمنة، وبعثته على تتبع مظانّهما همّة في معرفة لطائف حجة الله، وحرص على استيضاح معجزة رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، وكان مع ذلك مسترسل الطبيعة منقادها، مشتعل القريحة وقّادها، يقظان النفس داركا للمحة وإن لطف شأنها، منتهيا على الرمزة وإن خفي مكانها) (١).

ويقول- في تفسير قوله تعالى: يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً (٢٢) [الفرقان: ٢٢]: يَوْمَ يَرَوْنَ منصوب بأحد شيئين: إما بما دل

عليه لا بشرى، أي يوم يرون الملائكة يمنعون البشرى أو يعدمونها ويومئذ للتكرير، وإما بإضمار اذكر: أي اذكر يوم يرون الملائكة)، ثم قال: لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ (وقوله للمجرمين إما ظاهر في موضع ضمير، وإما لأنه عام فقد تناولهم بعمومه حِجْراً مَحْجُوراً ذكره سيبويه في باب المصادر غير المتصرفة المنصوبة بأفعال متروك إظهارها، نحو معاذ الله وقصدك الله، وعمرك الله، وهذه كلمة كانوا يتكلمون بها عند لقاء عدوّ موتور أو هجوم نازلة أو نحو ذلك يضعونها موضع الاستعاذة، قال سيبويه: ويقول الرجل للرجل أتفعل كذا وكذا فيقول: حجرا وهي:


(١) انظر مقدمة «الكشاف» ص ١٧.

<<  <   >  >>