للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زاد في رواية: " فإننا بَشَر؛ نقول القول اليوم، ونرجع عنه غداً ".

وفي أخرى: " ويحك يا يعقوب! - وهو أبو يوسف - لا تكتب كل ما

تسمع مني؛ فإني قد أرى الرأي اليوم، وأتركه غداً، وأرى الرأي غداً، وأتركه

بعد غد " (١) .


= الدليل خلاف قولهم، ثم أفتى بخلاف الدليل؟! فتأمل في هذه الكلمة؛ فإنها وحدها كافية
في تحطيم التقليد الأعمى؛ ولذلك أنكر بعض المقلدة من المشايخ نسبتها إلى أبي حنيفة؛
حين أنكرتُ عليه إفتاءه بقولٍ لأبي حنيفة لم يعرف دليله!
(١) قلت: وذلك لأن الإمام كثيراً ما يبني قوله على القياس، فيبدو له قياس أقوى، أو
يبلغه حديث عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فيأخذ به، ويترك قوله السابق. قال الشعراني في " الميزان "
(١/٦٢) ما مختصره:
" واعتقادنا واعتقاد كل منصف في الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه؛ أنه لو عاش حتى
دُوِّنَت الشريعة، وبعد رحيل الحفاظ في جَمْعِها من البلاد والثغور، وظفر بها؛ لأخذ بها، وترك
كل قياس كان قاسه، وكان القياس قلَّ في مذهبه، كما قل في مذهب غيره بالنسبة إليه،
لكن لما كانت أدلة الشريعة مفرقة في عصره مع التابعين وتابعي التابعين في المدائن والقرى
والثغور؛ كثر القياس في مذهبه بالنسبة إلى غيره من الأئمة ضرورةً؛ لعدم وجود النص في
تلك المسائل التي قاس فيها؛ بخلاف غيره من الأئمة؛ فإن الحفاظ كانوا قد رحلوا في طلب
الأحاديث وجمعها في عصرهم من المدائن والقرى، ودوّنوها؛ فجاوبت أحاديث الشريعة
بعضها بعضاً، فهذا كان سبب كثرة القياس في مذهبه، وقلته في مذاهب غيره ".
ونقل القسم الأكبر منه أبو الحسنات في " النافع الكبير" (ص ١٣٥) ، وعلق عليه بما يؤيده
ويوضحه. فليراجعه من شاء.
قلت: فإذا كان هذا عذر أبي حنيفة فيما وقع منه من المخالفة للأحاديث الصحيحة دون
قصد - وهو عذر مقبول قطعاً؛ لأن الله تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها -؛ فلا يجوز الطعن =

<<  <  ج: ص:  >  >>