للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من ذلك تعظيم من خالف أمره، وإن كان مغفوراً له (١) ، بل ذلك المُخَالَف

المغفور له لا يكره أن يخالف أمره؛ إذا ظهر أمر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخلافه " (٢) .

قلت: كيف يكرهون ذلك؛ وقد أمروا به أتباعهم - كما مر -، وأوجبوا عليهم

أن يتركوا أقوالهم المخالفة للسنة؟! بل إن الشافعي رحمه الله أمر أصحابه أن

ينسبوا السنة الصحيحة إليه، ولو لم يأخذ بها، أو أخذ بخلافها؛ ولذلك لما جمع

المحقق ابن دقيق العيد رحمه الله المسائل التي خالف مذهب كل واحد من الأئمة

الأربعة الحديث الصحيح فيها - انفراداً، واجتماعاً - في مجلد ضخم؛ قال في أوله:

" إن نسبة هذه المسائل إلى الأئمة المجتهدين حرام، وإنه يجب على

الفقهاء المقلدين لهم معرفتها؛ لئلا يعزوها إليهم؛ فيكذبوا عليهم " (٣) .


= قضى سعد بن إبراهيم (يعني: ابن عبد الرحمن بن عوف) على رجل برأي ربيعة بن
أبي عبد الرحمن، فأخبرته عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخلاف ما قضى به، فقال سعد لربيعة:
هذا ابن أبي ذئب - وهو عندي ثقة - يحدث عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخلاف ما قضيت به. فقال
له ربيعة: قد اجتهدت، ومضى حكمك. فقال سعد:
واعجباً! أُنَفذّ قضاء سعد و [لا] أُنَفّذ قضاء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! بل أرد قضاء سعد ابن
أم سعد، وأنفذ قضاء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فدعا سعد بكتاب القضية فشقه، وقضى للمقضي عليه.
(١) قلت: بل هو مأجور؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" إذا حكم الحاكم فاجتهد، فأصاب؛ فله أجران، وإذا حكم فاجتهد، فأخطأ؛ فله أجر
واحد ". رواه الشيخان وغيرهما.
(٢) نقله في التعليق على " إيقاظ الهمم " (ص ٩٣) .
(٣) الفلاني (ص ٩٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>