القراءة كما صنع علماؤنا! وإنما يدل على أن قراءة الإمام تغني عن قراءة المؤتم، بحيث إنه لو لم يقرأ؛ جازت صلاته. وأما حكم قراءته هو؛ فإنما يؤخذ من أحاديث أخرى. وأعدل هذه المذاهب الثلاثة، وأقربها إلى الصواب: أوسطها، وهو قول الإمام الشافعي رحمه الله في القديم - كما في " المهذب " و " شرحه " (٣/٣١٣ - ٣١٤) وغيرهما -. وليس مع القائلين بالوجوب دليل؛ إلا هذا الحديث، وإلا حديث عبادة بن الصامت: " لا صلاة لمن لم يقرأ بـ: {فاتحة الكتاب} ". وقد مضى. وفي الاستدلال على ذلك بهذا الحديث الذي نحن بصدده نظر بيِّن؛ وذلك لأنه قد تقرر في كتب الأصول: أن الاستثناء من حكم يدل على نقيضه فحسب، ولا دلالة له على زيادة حكم. فقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تفعلوا "؛ نهي عن القراءة خلف الإمام في الجهرية، واستثناؤه قراءة {الفَاتِحَة} يدل على عدم النهي عن قراءة {الفَاتِحَة} ، يعني: عدم كراهتها وحرمتِها. ولا دلالة فيه بوجه من الوجوه على ركنية {الفَاتِحَة} أو وجوبها، فإن ثبت بدليل آخر؛ فذاك، وإلا؛ فلا دلالة فيه على ما راموا منه من إثبات الوجوب أو الركنية. قال بعض المتأخرين من المحققين الحنفيين: " ونظيره: قوله تعالى: {لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَن تَقُولُوا قَوْلًا مَّعْرُوفًا} ؛ فنهى الله عز وجل عن تصريح المواعدة في العِدَّة، واستثنى منه التعريض والكناية. فالتعريض والكناية بالاستثناء لم يبق حراماً؛ لا أنه صار فرضاً أو واجباً، ولا يبعد أن يكون قريباً من الكراهة. قال تعالى: {وَلَا تَيَمَّمُوا الخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} ؛ فهل هذا الإغماض والمسامحة واجب عند أحد؟! إنما هو إغضاء على القذى وسحب الذيل على الأذى.