الحديث - وإن كنت لم أقف على شيء من كلامهم في توجيه نسخه -، ويكون عليه الصلاة والسلام قد تدرج في النهي، ولم يفاجئهم بذلك؛ فنهاهم أولاً عن القراءة وراءه إلا بـ: {الفَاتِحَة} ، ثم نهاهم عن القراءة كلها، وذلك بمقتضى قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ القُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} . قال الشافعي في القديم: " فهذا عندنا على القراءة التي تسمع خاصة ". ويؤيد ذلك سبب نزول الآية؛ كما قال مجاهد: كان رسول الله يقرأ في الصلاة، فسمع قراءة فتى من الأنصار؛ فنزلت: {وَإِذَا قُرِئَ القُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا} . أخرجه البيهقي (٢/١٥٥) وغيره. وقد قيل في سبب نزولها غير ذلك من الأقوال، ولكن ما ذكرنا أرجحُها؛ كما بينه أبو الحسنات اللكنوي في " إمام الكلام " (ص ٧٧ - ١٠١) . وقد بسط القول في هذا الكتاب على هذا الحديث تخريجاً، وتحقيقاً لفقهه، مع إنصاف؛ بما لا تجده في كتاب. فراجعه (١٨٧ - ٢١١) . وقد استفدنا منه بعض ما ذكرنا في هذا البحث. ومثله في التحقيق من الناحية الفقهية العلامة الشيخ محمد أنور الكشميري في كتابه " فيض الباري على صحيح البخاري " (٢/٢٧١ - ٢٨٠) ، ولولا أن يطول البحث؛ لنقلت كلامه؛ فإنه غاية في التحقيق، وفيه شيء جديد لا تراه في الكتب المعروفة، لكن فيما ذكرناه عن ذلك المحقق كفاية، وكلامه كان خلاصة كلام الكشميري هذا، وأظنه هو الكشميري نفسه، لكني وجدت كلامه معلقاً عندي في بعض التعليقات منسوباً إليه غير مسمى، ولا أذكر الآن مصدره، وغالب ظني أنه في كتابه هذا المذكور. والله أعلم.