للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

..............................................................................


قلت: وهذا غير معقول، فإن القراءة عبادة؛ فإما أن تكون مستحبة؛ إذا وافقت
السنة. وإما أن تكون مكروهة؛ إذا خالفتها. وأما أن تكون غير مستحبة وغير مكروهة:
فهذا غير معقول في شيء من العبادات مطلقاً؛ فتأمل.
وقال الإمام محمد - بعد أن ساق الحديث -:
" العامة على أن القراءة تُخَفَّف في صلاة المغرب؛ يُقرأ فيها بقصار المفصل، ونرى أن
هذا كان شيئاً فتُرك! ولعله كان يقرأ بعض السورة ثم يركع ". ثم قال:
" وبهذا نأخذ، وهو قول أبي حنيفة ".
وذكر المعلق عليه عن العلماء جواباً ثالثاً؛ وهو أن هذا بحسب اختلاف الأحوال؛ قرأ
بالطِّوال لتعليم الجواز، والتنبيه على أن وقت المغرب ممتدٌ، وعلى أن قراءة القصار فيه ليس
بأمر حتمي. ثم قال المعلق أبو الحسنات:
" وأقول: الجوابان الأولان مخدوشان:
أما الأول: فلأن مبناه على احتمال النسخ، والنسخ لا يثبت بالاحتمال، ولأن
كونه متروكاً إنما يثبت لو ثبت تأخر قراءة القصار على قراءة الطوال من حيث التاريخ،
وهو ليس بثابت، ولأن حديث أم الفضل - الآتي - صريح في أنها آخر ما سمعت من
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو سورة {المُرْسَلَات} في المغرب؛ فدلَّ ذلك على أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأ بـ:
{المُرْسَلَات} في المغرب في يوم قبل يومه الذي توفي فيه، ولم يصل المغرب بعده، وقد
ورد التصريح بذلك في " سنن النسائي "؛ فحينئذٍ إنَّ سَلْكَ مسلكِ النسخ يُثْبِتُ نسخَ
قراءة القصار، لا العكس.
وأما الثاني: فلأن إثبات التفريق في جميع ما ورد في قراءة الطوال مشكل، ولأنه
قد ورد صريحاً في رواية البخاري وغيره ما يدل على أن جُبَير بن مُطْعِم سمع {الطُّور}

<<  <  ج: ص:  >  >>