ركع، ثم سجد، فقال: " سبحان ربي الأعلى ". فكان سجوده قريباً من قيامه. قال الحافظ (٣/١٥) : " وهذا إنما يتأتى في نحو من ساعتين؛ فلعله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحيا تلك الليلة كلها. وأما ما يقتضيه حاله في غير هذه الليلة؛ فإن في أخبار عائشة أنه كان يقوم قدر ثلث الليل ". قلت: قد صح عنها أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما قام ليلة حتى الصباح. وهو محمول على الغالب من أحواله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما سيأتي -. ثم إن تقدير الحافظ ذلك بـ: (نحو ساعتين) بعيد عن التجربة؛ وذلك أننا صلينا منذ بضعة أيام صلاة الخسوف - الذي وقع ليلة الاثنين (١٦/١/٦٦ هـ) -، فقرأنا في الركعة الأولى بـ: سورة {إِبْرَاهِيم} ، وفي الثانية بنحوها من سورة {الإِسْرَاء} ، وأطلنا الركوعين في كل من الركعتين، وكذا السجدتين وما بين ذلك - حسب السنة - بعضَ الإطالة، بحيث لا يصح أن يقال: إن كلاً من ذلك كان نحو القيام أو قريباً منه، ومع هذا؛ فقد أخذت هذه الصلاة ساعة كاملة من الزمن. فأين ذلك من صلاته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربع ركعات - على الراجح من الروايات -؟! يقرأ في الأولى بثلاث سور من الطوال؛ يترسل، ويتمهل في قراءته، ويقف يسأل الله، ويستعيذ به، ثم يجعل ركوعه وسجوده وما بين ذلك قريباً من قيامه؛ فلا شك أن ذلك لا يتأتى إلا في ثلاث ساعات. فإذا أضيف إلى ذلك ثلاث ركعات أخرى؛ فيكون صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أحيا الليل كله. وقد يتبادر إلى الذهن أنه - على ما ذكرنا - لا يتسع الليل لمثل هذه الصلاة؛ لأنها تحتاج إلى اثنتي عشرة ساعة! فالجواب: إنه يمكن أن تكون الركعات الثلاث أقصر من الأولى؛ لأن المعهود عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الغالب من هديه إطالة الركعة الأولى أكثر من الثانية