للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

..............................................................................


بالسنة وإن خالفت المذهب، ولكن موانع - يعلمها أهل العلم - منعت من وصول أخبارهم
إلينا، أو تظاهرهم بها أمام أتباعهم المتعصبين. وقد كان الشيخ صالح الحِمْصي رحمه الله
- وهو من علماء الحنفية - يرى سنية الرفع هذا، ولكنه كان لا يفعل ذلك خوفاً من قيام
المتعصبين عليه، كما صارحني بذلك رحمه الله.
ومما يؤيد هذا الرأي أنه وُجد في القرن الثامن من الهجرة بعض الأئمة الحنفية كان
يرفع يديه في كل تكبيرة وهو إمام، فجاء في فتوى شيخ الإسلام ما ملخصه (٢/٣٧٥ - ٣٨٠) :
مسألة في رجل حنفي؛ صلى في جماعة، ورفع يديه في كل تكبيرة، فأنكر عليه
فقيه الجماعة، وقال له: هذا لا يجوز في مذهبك، وأنت مبتدع فيه، وأنت مذبذب؛ لا
بإمامك اقتديت، ولا بمذهبك اهتديت. فهل ما فعله نقصٌ في صلاته، ومخالفةٌ للسنة
ولإمامه، أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى بعد أن أثبت سنية الرفع عند الركوع والرفع منه، ونفى
سنية الرفع مع كل تكبيرة - وتبعه على ذلك تلميذه ابن القيم، ويأتي بيان خطئهما في
ذلك في محله إن شاء الله تعالى -، قال شيخ الإسلام:
" وإذا كان الرجل متبعاً لأبي حنيفة أو مالك أو الشافعي أو أحمد، ورأى في بعض
المسائل أن مذهب غيره أقوى، فاتبعه؛ كان قد أحسن في ذلك، ولم يقدح ذلك في
دينه ولا عدالته بلا نزاع؛ بل هذا أولى بالحق وأحب إلى الله ورسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ممن يتعصب
لواحد معين غير النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويرى أن قوله هو الصواب الذي ينبغي اتباعه دون قول
الإمام الذي خالفه، فمن فعل هذا؛ كان جاهلاً ضالاً، بل قد يكون كافراً؛ فإنه متى
اعتقد أنه يجب على العامة تقليد فلان وفلان؛ فهذا لا يقوله مسلم. ومن كان موالياً
للأئمة، محباً لهم، يقلد كل واحد منهم فيما يظهر أنه موافق للسنة؛ فهو محسن في
ذلك، بل هو أحسن حالاً من غيره، ولا يقال لمثل هذا: مذبذب؛ على وجه الذم، وإنما

<<  <  ج: ص:  >  >>