وكلها أحاديث صحيحة، وقد احتج بها من خَصَّ المؤتم بالتحميد دون الإمام، وهم من ذكرنا آنفاً. كما أنهم احتجوا بها على أنه ليس للمؤتم أن يقول: (سمع الله لمن حمده) . قال الحافظ في " الفتح " (٢/١٤٣) : " وليس في السياق ما يقتضي المنع من ذلك؛ لأن السكوت عن الشيء لا يقتضي ترك فعله. نعم؛ مقتضاه أن المأموم يقول: (ربنا! لك الحمد) عقب قول الإمام: (سمع الله لمن حمده) . فأما منع الإمام من قول: (ربنا! ولك الحمد) ؛ فليس بشيء؛ لأنه ثبت أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يجمع بينهما ". اهـ. قلت: وكذلك مَنْعُ المأموم من قول التسميع ليس بشيء أيضاً، ولعموم قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلوا كما رأيتموني أصلي ". وللحديث الذي بعده: " إنما جعل الإمام ليؤتم به ". فإن من الائتمام به أن يقول بقوله، إلا ما استثناه الدليل؛ كالقراءة وراء الإمام في الجهرية - على ما سبق بيانه في محله -. ولذلك قال الخطابي في " المعالم " (١/٢١٠) : " قلت: وهذه الزيادة - يعني: التسميع - وإن لم تكن مذكورة في الحديث نصاً؛ فإنها مأمور بها الإمامُ. وقد جاء: " إنما جعل الإمام ليؤتم به ". فكان هذا في جميع أقواله وأفعاله، والإمام يجمع بينهما، وكذلك المأموم، وإنما كان القصد بما جاء في هذا الحديث مداركةَ الدعاء والمقارنة بين القولين؛ ليستوجب بها دعاء الإمام، وهو قوله: " سمع الله لمن حمده " ليس بيان كيفية الدعاء، والأمر باستيفاء جميع ما يقال في ذلك المقام؛ إذ قد وقعت الغُنْيَةُ بالبيان المتقدم ".