" قلت: وتصويره: أن الإمام تحول من مكانه في مقدم المسجد إلى مؤخر المسجد. لأن من استقبل الكعبة؛ استدبر بيت المقدس. وهو لو دار كما هو في مكانه؛ لم يكن خلفه مكان يسع الصفوف. ولَمَّا تحول الإمام؛ تحولت الرجال حتى صاروا خلفه، وتحوّلت النساءُ حتى صِرْنَ خلف الرجالِ. وهذا يستدعي عملاً كثيراً في الصلاة؛ فيحتمل أن يكون ذلك وقعَ قبل تحريم العمل الكثير - كما كان قَبْلَ تحريم الكلام -. ويحتمل أن يكون اغْتُفِرَ العملُ المذكور؛ من أجل المصلحة المذكورة، أو لم تَتَوَالَ الخُطى عند التحول؛ بل وقعت مفرقة. والله أعلم ". ثم إن هذه القصة التي روتها تويلة هي غير قصة أهل قباء؛ بدليل أن هذه كانت في بني حارثة، وكانت الصلاة رباعية، وتلك كانت في بني عمرو بن عوف، وهم أهل قباء وكانت الصلاة ثنائية وهي صلاة الصبح - كما سبق -. ويشهد لما ذكرنا حديث البراء بن عازب، وهو: الحديث الخامس: قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [لما قدم المدينة] صلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً، وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحب أن يُوَجَّهَ إلى الكعبة؛ فأنزل الله: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} ؛ فتوجه نحو الكعبة. وقال السفهاء من الناس (وهم اليهود) : {مَا وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ المَشْرِقُ وَالمَغْرِبُ يَهْدِيْ مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيْمٍ} . فصلى مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجل، ثم خرج بعدما صلى، فمرَّ على قوم من الأنصار في صلاة العصر نحو بيت المقدس، فقال: هو يشهد أنه صلى مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنه توجه نحو الكعبة. فَتَحَرَّفَ القوم حتى توجهوا نحو الكعبة.