فإن من جودك الدنيا وضَرّتها ... ومن علومك علم اللوح والقلم فهذا القول مما يتنافى مع الشهادة بالعبودية لمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو القائل - كما حكاه الله تعالى في القرآن الكريم -: {وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ} . وهو القائل للجارية التي كانت تندب من قتل يوم [بدر] ، ثم قالت: وفينا نبي يعلم ما في غد. فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تقولي هكذا، وقولي كما كنت تقولين " (١) . ولذلك قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في حديث لها في " الصحيحين ": " ومن حدثكم أن محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يعلم ما في غد؛ فقد أعظم على الله الفرية ". فإذا كان هذا شأن من قال عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنه يعلم ما في غد؛ فما بال من يقول: إن من بعض علومه علمَ اللوح والقلم؟! فلا جَرَم أن حَذَّرَنا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الغلو في مدحه وتعظيمه؛ فإنه سبب هلاك الأمم قبلنا كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إياكم والغلو في الدين؛ فإنما أهلك الذين من قبلكم غلوهم في دينهم " (٢) . وأما الصفة الأخرى: فهي كونه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رسولاً اصطفاه الله تعالى، وخصه بالوحي وأطلعه على بعض المغيبات، وذلك يستلزم الإيمان بكل ما قاله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصح عنه من التشريعات والإخبار بالمغيبات، سواء كان ذلك موافقاً لعقلك، أو بعيداً عن فهمك وعقلك، يجب الإيمان بذلك كله، فمن لم يكن هذا موقفه معه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فهو لم يؤمن حق الإيمان بأن محمداً رسول الله، فما تنفعه هذه الشهادة، وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم،