ورجح الثاني؛ بل قيل: إنه الأدب ". قلت: وهذا القيلُ نقله الشيخ الطحطاوي في " مراقي الفلاح " (١٥٨) عن " شرح الشفا " للشهاب. وقد ذكر السيوطي نحوه في " الحرز المنيع " (٦٦) عن المجد اللغوي. وأنا أستغرب وقوع مثل هذا الاختلاف بين العلماء؛ فإني لا أعقل أن يكون الأدب خيراً من الامتثال؛ لأن معنى ذلك أن الامتثال ليس فيه من الأدب ما يليق به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! ولا يخفى ما فيه، ولأن في هذا القول محاذيرَ كثيرة تؤدي إلى تغير الشريعة! فخذ مثلاً: الشهادة في الأذان، والإقامة، وفي التشهد في الصلاة. فإن الأفضل - على هذا القول - أن يقول المتشهد: (وأشهد أن سيدنا محمداً رسولُ الله) . وإذا كان الأدب مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أولى من امتثال أمره؛ فكذلك يقال أيضاً: إن الأدب مع الله تعالى أولى من امتثال أمره من باب أولى! فينبغي أن يقال مثلاً: (أشهد أن لا إله إلا الله سبحانه وتعالى) ؛ وغيرها من العبارات التي تدل على تعظيم الله تعالى وتنزيهه! وما أعتقد أن عاقلاً من علماء المسلمين يستجيز هذا التصرف، والتغيير في دين الله تعالى، وسَدُّ ذلك إنما يكون برد ذلك القول، والأخذ بمعارضه: الامتثال خير من الأدب؛ بل هو الأدب. ورحم الله ابن مسعود حيث قال: اقتصادٌ في سُنَّةٍ خيرٌ من اجتهاد في بدعة. وكل خير في اتباع من سلف ... وكل شر في ابتداع من خلف