٣ - (الغشي) قَالَ: أَسبَاب الغشي تِسْعَة: أَحدهَا كَثْرَة الأخلاط النِّيَّة فِي الْبدن وَهَذِه تحدث الغشي لأسباب: مِنْهَا أَن الْبدن لَا يغتذى وَأَن الْحَرَارَة الغزيرة تختنق والمزاج الطبيعي يتَغَيَّر بِهَذِهِ الأخلاط لِأَن هَذِه الأخلاط النِّيَّة لَا تغذي الْبدن حَتَّى تنضج ولكثرتها لَا يُمكن أَن تنضج لِأَنَّهَا قاهرة ثَقيلَة على الْقُوَّة وَلِأَنَّهَا تسد التَّحْلِيل وتمنعه بخنق الْحَرَارَة الغريزية.
وَالثَّانِي أَن يكون من رقة الأخلاط وإفراط التَّحْلِيل من الْبدن وَهُوَ ضد هَذَا. والغشي يكون هَهُنَا من كَثْرَة مَا يتَحَلَّل من الْبدن وَقد ذكرنَا علاج هذَيْن فِي بَاب الحميات الَّتِي مَعهَا أَعْرَاض.
وَيكون الغشي من الوجع الشَّديد والأرق والاستفراغ المفرط. وَكَثِيرًا مَا يكون عِنْد اخْتِلَاط الْعقل وَمن سوء مزاج الْأَعْضَاء النفيسة وَمن سوء مزاج النفيسة يكون إِمَّا أَن يحتقن فِيهَا خلط رَدِيء وَإِمَّا سوء مزاج بِلَا مَادَّة.
قَالَ: فالغشي الْكَائِن عَن الوجع يَنْبَغِي أَن يقطع كَونه يقطع الوجع وَإِن كَانَ السَّبَب الْمسكن للوجع مِمَّا يسكنهُ بِأَن يقطع السَّبَب الْفَاعِل للوجع فافعله دَائِما وَإِن كَانَ إِنَّمَا يخدر الْحس فافعله عِنْد الضَّرُورَة.
لي الغشي يعالج فِي وَقت النّوبَة بِدَفْعِهِ لَا بقلع السَّبَب فَلذَلِك يعالج الغشي كُله بالطيب وَمَا جرى مجْرَاه وَأما فِي وَقت السّكُون فتعمد إِلَى قطع السَّبَب الْفَاعِل لَهُ.)
قَالَ ج فِي الثَّالِثَة من الأخلاط: أَن الْأَشْيَاء الَّتِي تنثر على الْبدن وتستعمل فِي الغشي الَّذِي يحدث بِسَبَب الْمعدة أَو الْقلب وَلم يذكر مَادَّة هَذِه الْأَشْيَاء وَهِي عِنْدِي القابضة الطّيبَة الرّيح وَأَن يطلى بهَا خير عِنْدِي وَيُزَاد بهَا تَقْوِيَة الْمعدة وَمنع التَّحَلُّل.
قَالَ: وعلامة حُدُوث الغشي ندى بَارِد يظْهر على الْبدن وَصغر النبض.
الغشي الْكَائِن يعقب الاستفراغ من خلط يجب أَن يستفرغ إِذا كَانَت الْقُوَّة الحيوانية مِمَّا يمسكنه الاستفراغ غير مخوف بل نَافِع مَأْمُون كالغشي الْكَائِن بعقب استفراغ الدَّم فِي الْحمى اللَّازِمَة.
الْمقَالة الأولى من الْأَمْرَاض الحادة قَالَ: يسْتَعْمل فِي الغشي الْأَطْعِمَة ألف هـ القابضة لِأَنَّهَا تقَوِّي الْبَطن وفم الْمعدة وتشد المجاري وتمنع الاستفراغات وَجَمِيع التَّحَلُّل.
الْمقَالة الثَّالِثَة قَالَ: سُقُوط الْقُوَّة يعرض إِمَّا لترك الْغذَاء أَو للذع فِي فَم الْمعدة شَدِيد أَو تغير مزاج بَغْتَة أَو ضعف يعرض فِي إِحْدَى المبادئ. وأسرعها فِي إِسْقَاط الْقُوَّة وَالْمَوْت والهلاك ضعف قُوَّة الْقلب ثمَّ الدِّمَاغ ثمَّ الكبد. أَو ألم الْأَعْضَاء الْمُشَاركَة لهَذِهِ الْقُوَّة فَإِن فَم الْمعدة يُشْرك الْقلب بالمجاورة ويشرك الدِّمَاغ بالعصب فضرره يضر بِهَذَيْنِ وتخلخل الْبدن يسْرع حُدُوث الغشي وكثافته تبطئ بِهِ. وَيَنْبَغِي أَن يَأْخُذ الطَّبِيب نَفسه بتعرف حُدُوث الغشي وَسُقُوط الْقُوَّة قبل أَن يحدثا.