للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الرَّاحَة جَيِّدَة فِي نضج الأخلاط وَفِي استفراغها. ألف ي قَالَ حنين هَهُنَا: النّوم يرطب الْبدن فِي جَمِيع الْأَحْوَال وَلَيْسَ من شَأْنه أَن يسخن أَو يبرد فِي جَمِيعهَا لَكِن يسخن فِي بعض الْأَوْقَات ويبرد فِي بعض ويسخنه فِي حَال ويبرده فِي حَال أُخْرَى لِأَن الْحَرَارَة فِي أبدان الْحَيَوَان جِنْسَانِ: أَحدهمَا غريزي وَالْآخر غَرِيب فَمَتَى صَادف النّوم فِي الْبَطن أَطْعِمَة وَفِي الْعُرُوق أخلاطاً بلغمية نِيَّة وَبِالْجُمْلَةِ بَارِدَة كَيفَ كَانَت هضمها وأنضجها حَتَّى يتَوَلَّد مِنْهَا دم جيد أسخن لذَلِك الْبدن الْحَرَارَة الغريزية فِيهِ وَمَتى كَانَت فِي ابدن حرارة غَرِيبَة نارية وَحمى بِسَبَب ورم فِي بعض أحشائه فَأطَال النّوم وَكَانَ ذَلِك فِي ابْتِدَاء النّوبَة فَإِن الْبدن يسخن حِينَئِذٍ بحرارة خَارِجَة عَن الطَّبْع ويتزيد لذَلِك النّوم فيزيد فِي الْحمى وَمَتى نَام الْإِنْسَان وَلَيْسَت فِي بدنه مَادَّة الْغذَاء وَلَا فِي عروقه خلط يحْتَاج أَن ينضج بل نَام بعد النضج الْكَامِل فَإِن حرارته الغريزية تقل.) لي هَذَا قَول ضَعِيف وَإِنَّمَا يبرد الْبدن وتقل حرارته الغريزية إِذا نَام بعقب النضج لِأَن الْمَادَّة بعقب التَّحَلُّل وَإِن لم يكن كحاله فِي الْيَقَظَة فَإِنَّهُ على حَال بَاقٍ وخاصة فِي دَاخل الْبدن فحال النّوم بعد النضج كَحال نَار لَا تمد بالزيت فَلذَلِك يكون كل سَاعَة أَضْعَف.

قَالَ حنين: وَمَتى كَانَ الْأَغْلَب على الْبدن الأخلاط الَّتِي من جنس المرار وَكَانَت للطبيعة من فضل الْقُوَّة مَا يُمكنهَا تمييزها واستفراغها بعد ذَلِك فَإِن الْحَرَارَة الغريبة عِنْد ذَلِك تطفأ بِالنَّوْمِ وَرجع الْبدن إِلَى حَاله الطبيعية وَمَتى لم يُمكن للطبيعة من القوى فِي هَذِه الْحَال مَا تقوى على تَمْيِيز هَذِه الأخلاط المرارية وإخراجها عَن الْبدن فَإِن الْبدن لَا يسخن من النّوم وَلَا يبرد لَكِن يبْقى بِحَالهِ.

وَمَتى نَام الْإِنْسَان وَبِه حمى عفونة أخلاط زَائِدَة وَكَانَ فِي الطبيعة فضل قُوَّة يُمكنهَا مَعَه ألف ي فِي النّوم نضج تِلْكَ الأخلاط حَتَّى يتَوَلَّد مِنْهُ دم جيد فَإِن الْبدن يسخ حِينَئِذٍ ويبرد مَعًا فِي وَقت نَومه إِلَّا أَن سخونته تكون بالحرارة الغريزية ويبرد بالحرارة الغريبة فينمى الْحَرَارَة الغريزية وتذبل الْحَرَارَة الغريبة الْخَارِجَة عَن الطبيعة وتذبلها وتطفئها.

فَأَما السهر فيجفف الْبدن فِي جَمِيع الْأَحْوَال وَلَا يسخن أَو يبرد فِي جَمِيعهَا فَافْهَم بَاقِي الْقِسْمَة فِيهِ من عكس أَفعَال النّوم وَذَلِكَ أَن كل مَا يقدر النّوم على فعله فِي الأخلاط فِي كل وَاحِد من الْأَبدَان بِحَسب كيقية تِلْكَ الأخلاط وكميتها فالسهر يفعل فِيهِ بضد ذَلِك.

قَالَ جالينوس: التَّعَب واسترخاء الْقُوَّة مِمَّا يعين على جلب النّوم الْمُسْتَغْرق وَلذَلِك فَأنى أمنع الَّذين لَا ينامون نوماً غرقاً من النّوم وتغميض الْعين والاتكاء والاستراحة فِي وَقت نومهم وَرُبمَا ربطتهم رِبَاطًا بَالغا يوجعهم حَتَّى إِذا استرخت قوتهم حللت الرِّبَاط وأخمدت السراج ورددت الْأَبْوَاب وَأمرت أَن ينحى عَنهُ كل حس وَصَوت الْبَتَّةَ فَإِنَّهُم ينامون نوماً غرقاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>