التي جاءت من أجل المحافظة على أموال الناس إذ إن حفظ المال إنما هو من الضروريات الخمس التي جاءت الشرائع جميعها من أجل المحافظة عليها وهي حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ المال، وحفظ العرض.
فسيدنا عثمان بن عفان عندما خرج على أحكام هذا النص، أو على هذا الحكم الذي ورد في الحديث، إنما راعى ذلك مصلحة المسلمين، وهذا ما تقضي به السياسة الشرعية.
والخلاصة: أنه لا يصح في تصرفٍ من التصرفات، أو حكمٍ من الأحكام التي تسن لتحقيق مصلحةٍ عامة أنه يقال: أنه مناقض للشريعة؛ بناءً على ما يُرى فيه من مخالفة ظاهرية لدليلٍ من الأدلة، بل يجب تفهم هذه الأدلة، وتعرف روحها، والكشف عن مقاصدها، وأسرار التشريع فيها، والتفرقة بين ما ورد على سببٍ خاص، وما هو من التشريع العام الذي لا يختلف، ولا يتبدل؛ فإن مخالفة النوع الثاني هي الضارة المانعة من دخول أحكام السياسة في محيط شريعة الإسلام.
وهكذا تبين لنا من فعل سيدنا عمر، وفعل سيدنا عثمان أنهم خرجوا عن الأحكام المنصوص عليها، لكن هذا خروج ناتج عن فهمهم للنصوص، وناتج عن فهمهم لروح هذه النصوص، وسر التشريع في هذه النصوص؛ ولذلك جاء في باب السياسة الشرعية التي يقصد بها تحقيق مصلحة المسلمين في كل زمان، وفي كل مكان؛ ولذلك لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان.
ومما تجب ملاحظته هنا أنه إنما وصفت هذه السياسية بالشرعية؛ لأن اجتهاد الحاكم فيما جد من وقائع، وأحداثٍ، وما يدخل في مجال علم السياسة الشرعية لم يبنى على الهوى والتشهي، وإنما على مبادئ وقواعد معتبرة شرعًًا، وهذه الأشياء ينظر إليها في (السياسة الشرعية للدكتور عبد الله محمد محمد القاضي صـ٣٦، والشيخ عبد الرحمن تاج صـ١٨، وما بعدها).