١ - العشور، ومفهوم السياسة ومرتكزاتها في الإسلام ومصادر الأحكام السياسية في النظام الإسلامي
مصطلح السياسة منذ بداية الدولة الإسلامية
نبدأ الآن في الحديث عن النظام السياسي في الإسلام، فنقول -وبالله التوفيق-:
هناك من يرتاب في وجود ما يسمى بالسياسة كعلم عند المسلمين؛ ظنًا منه أن ذلك العلم من مستحدثات العصر، أو هو من المصطلحات التي لم تجر إلا على ألسنة غير المسلمين؛ إذ كيف يعرفه المسلمون، أو يقحموا أنفسهم في غماره، فما لهم والسياسة، وقد كانوا أقرب إلى الفطرة، وقاب قوسين أو أدنى من البداوة التي تورد صاحبها موار التهلكة؛ بسبب كلمة عارضة، أو سلوك عفوي؛ لبعده عن التقية، والمداراة، وإصراره على مسلك الجفاء والغلظة، بغض النظر عما يترتب على ذلك من عواقب، وهذا وغيره أبعد عن مدارك السياسة، ومفهوما.
أي أن هناك من يشكك في أن المسلمين كانوا يعرفون السياسة بالمعنى الحديث قديمًا، ويقول بأن العرب كانوا أهل بداوة، وعصبية، فكيف يصلون إلى نوع السياسة التي هي نوع من المدارة؟ لكن نقول لهم: إن هذا القول على إطلاقه يجافي الحقيقة؛ فإن القائلين به -وما أكثرهم- أقوام لهم مأرب معروفة، وغايات شائعة مألوفة، لعل أهمها تنحية الإسلام عن حكم الناس، وتوجيه مسار حياتهم؛ ليبتعدوا عن الالتزام بأحكامه؛ فيتحقق لهم إشباع رغبات، ونزوات لا تقرها الشرعية، فضلًا عن نهيها عنها، والتحذير من التورط فيها، أو الاقتراب منها.