وأيضًا: حينما رأى هيكلًا قد دفن في التراب، ثم علم أنه لليهود، أخذ يزيل عنه التراب بفضل ثوبه، فأتبعه جيشه فيما صنع، فلم تمض فترة حتى زال التراب عن الهيكل.
وما أوردناه على سبيل المثال لا الحصر، مما يدل دلالة واضحة على التسامح الديني لدى المسلمين، وتطبيقهم له على مدى العصور المتعاقبة، ولا ريب أن ذلك أساس من الأسس التي تسهم في بناء العلاقات الدولية الإنسانية.
الرحمة
وأيضًا من الأسس التي قامت عليها العلاقات الدولية في الإسلام مبدأ الرحمة:
فالإسلام دين الرحمة؛ ولذا كان التواصي بها بين المسلمين، يقول تعالى:{ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ}(البلد: ١٧) ورسول المسلمين هو رسول الرحمة، قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}(الأنبياء: ١٠٧) والرحمة التي يدعو إليها الإسلام لا ينعم بوارفها المسلم فقط، فإنها تظل المسلم وغير المسلمـ يقول -صلى الله عليه وسلم-: ((الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)) ويقول -صلى الله عليه وسلم-: ((من لا يرحم الناس لا يرحمه الله)) ويقول أيضًا -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تنزع الرحمة إلا من شقي)).
بل بين الإسلام أن الرفق بالحيوان فيه الأجر العظيم، يقول -صلى الله عليه وسلم-: ((بينما رجل في طريق أصابه عطش، فجاء بئرًا، فنزل فيها، فشرِب، ثم خرج، فإذا كلب يأكل الثرى من العطش، فنزل الرجل إلى البئر، فملأ خفه من الماء، ثم أمسك الخف بفيه، فسقى الكلب، فشكر الله له، فغفر له، فقالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم لأجرًا؟! فقال -صلى الله عليه وسلم-: في كل ذات كبد رطبة أجر)).