حجة فيما يؤديه، فلا بد من طريقٍ يُعلم به أنه صادقٌ في رسالته، والاختيار ليس طريقًا يتبين منها صدقه فيما يدعيه، ولكن الحال في الإمام غير ذلك؛ لأنه منفذٌ للأحكام ولأمورٍ معروفة؛ فهو كالقاضي إذا ما توافرت فيه شروط القضاء فقد صح اختياره لتولي منصب القضاء، وهذا معناه: أن هذه الشبهة التي استندوا إليها، وأنهم يقيسون منصب الإمامة على منصب النبوة، إنما هي شبهة واهية؛ ولذلك لا يصح استدلالهم في هذا.
نكتفي بهذا القدر من هذه المحاضرة، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
٣ - انعقاد الإمامة بالنص ووظائف الإمام
انعقاد الإمامة بطريق النص
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فقد تحدثنا في المحاضرات السابقة عن طرق انعقاد الإمامة العظمى عند جمهور الفقهاء، والتي تتمثل في اختيار أهل الحلّ والعقد، وتتمثل أيضًا في العهد من الإمام السابق، وتتمثل أيضًا في الوصول إلى السلطة عن طريق القهر والغلبة أو ما يسمى بلغة العصر الانقلابات العسكرية.
وقلنا بأن بعض الشيعة يقولون بأن الإمامة لا تنعقد بالاختيار وإنما تنعقد بطريق واحد فقط هو النص على الإمام، وبناء على ذلك فهم يقولون: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- نص على إمامة من يأتي بعده، وكذلك كل إمام يجب أن ينصص على من يأتي بعده.
وسوف نواصل الآن الحديث في ذلك فنتحدث عن أدلة الشيعة في ذلك، وسوف نقوم بالردّ عليها فنقول وبالله التوفيق:
حاول الشيعة الإمامية أن يثبتوا أنه لا يتصور أن يفارق الرسول -صلى الله عليه وسلم- الحياة قبل أن يوصي بالإمام، ثم رتبوا على ذلك أمرًا آخر فقالوا: إنه ما دام الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد أوصى بالإمامة فالذي أوصى له هو علي بن أبي طالب، واستدلوا على ذلك بعدة أمور:
الأمر الأول قالوا: إنه قد جرت عادة النبي -صلى الله عليه وسلم- ألا يخرج من المدينة إلا وقد استخلف عليها من يقوم بأمر المسلمين فيها، ولم تتخلف عادته في ذلك ولا مرة واحدة، وإذا كانت هذه هي عادته في الحياة فلا بد وأن يكون قد راعى ذلك بالنظر إلى الوقت الذي يتركهم فيه إلى الرفيق الأعلى؛ لأن رعاية مصالح المسلمين عند غيبته ممكنة وإن كانت شاقة إلا أنها بعد مماته غير ممكنة.
والأمر الثاني الذي استدلوا به على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نصّ على الإمام: أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إنما أنا لكم مثل الوالد لولده، فإذا ذهب أحدكم إلى الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها)) وكما أنه يجب على الوالد المشفق على أولاده رعاية مصالحهم حال حياته فإنه يجب عليه أيضًا رعايتها بعد مماته لئلا يضيعوا، ومن المعلوم أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لو لم ينصص على من يلي أمرهم بعده؛ لضاعوا في دنيهم ودنياهم فوجب القطع بأنه قد نصّ على الإمام بعده.
والأمر الثالث الذي استدلوا به قالوا: من المعلوم أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد بالغ في الشفقة على أمته، وأرشدها إلى كل ما هو أصلح حتى في الصغير من الأمور لدرجة أنه علمهم في كيفية الاستنجاء ثلاثين أدبًا، وإذا كان الأمر كذلك وإذا كانت خلافة الرسول -صلى الله عليه وسلم-