إن أهمية الأشياء تقاس بغاياتها، والغاية في القضاء هي إقامة العدل وكبح الظلم، فحيثما وجد العدل زال الظلم، والظلم ظلمات في الدنيا والآخرة، وهو قهرٌ للنفوس، وهضمٌ للحقوق، وهتكٌ للأعراض، وهو قبيحٌ في الجليل والحقير، وقد وصف الله به أشنع الكبائر وهو الإشراك به، قال تعالى:{إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم}(لقمان: من الآية: ١٣) ولعظم شأن العدل في دحض الظلم، وأنهما ضدان لا يجتمعان وردا في آية واحدة بأمرٍ ونهي، قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ والإِحْسَانِ وإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى ويَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ والْمُنكَرِ والْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}(النحل: ٩٠) وقد أدركت البشرية في مختلف العصور أهمية العدل فجعلوه هدفًا لأحكامه، وقد يختلفون في الوسائل والنتائج، ولكنهم متحدون فيما يهدفون إليه.
ولما كان العدل قوة فاعلة تستأصل الظلم وتمحو آثاره جاء التعبير الكريم بأبلغ تصوير في زوال الظلم عندما يصطدم بالعدل، قال تعالى:{بَلْ نَقْذِفُ بِالحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ولَكُمْ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ}(الأنبياء: ١٨) ومن هنا تبرز أهمية القضاء الذي هو وسيلة لإقامة العدل بين الناس، ولأهمية تلك الغاية وخطورتها جاء التحذير والوعيد في استعمال هذه الوسيلة؛ لكي لا يستعملها من لا يُحسن استعمالها فتنحرف به عن الصراط، وتزل به الأقدام؛ فيهوى في معاقل الظلم والبهتان.
تاريخ القضاء في الإسلام
أولًًا: نتحدث الآن عن المراحل التي مر بها القضاء في العصور الإسلامية الأولى،