للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢ - نشأة النظم الإسلامية في المدنية

أهم المعالم للنظم الانتقالية التي وضعها النبي في المدينة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، أما بعد:

قد تحدثنا في المحاضرة السابقة عن نشأة النظام الإسلامي، أو النظم الإسلامية، وبينا التنظيمات الإسلامية التي وضعها النبي -صلى الله عليه وسلم- في مكة، ونشرع الآن في بيان التنظيمات الإسلامية التي وضعها النبي -صلى الله عليه وسلم- فنقول -وبالله التوفيق-:

اتضح للرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- أن بيئة مكة قد أصبحت -بعناد ملأِ قريش له- أصبحت معقلًا للنظم القبلية، وعصبيتِها الجاهلية، وأنه لا بد من البحث عن تربة جديدة غير تربة قريش، واختار الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- سوق عكاظٍ باعتباره أهم مؤسسة في الحياة القبلية، وبدأ يعرض الدعوة الإسلامية على القبائل العربية الوافدة إلى هذا السوق من خارج مكة، وحلفائها.

والتقى الرسول -صلى الله عليه وسلم- بنفرٍ من قبيلة الأوس من أهل يثرب -التي أصبحت المدينة فيما بعد- كانوا قد وفدوا إلى مكة لعقد تحالف مع قبيلته قريش ضد الخزرج -وهي القبيلة الكبرى الثانية في يثرب- وشرح النبي -صلى الله عليه وسلم- لهذا النفر من الأوس مغبة الصراع القبلي الغارقين فيه، وخطورة تأجيج نيرانه بالتحالف مع قريش، ثم دعاهم -صلى الله عليه وسلم- إلى خيرٍ من ذلك، وهو اعتناق الإٍسلام، وعلى الرغم من أن هذا النفر لم يؤمن، إلا أنه -حين عاد إلى يثرب- نشر بين أهلها خبر الدعوة الإسلامية الجديدة وجهاد رسولها -صلى الله عليه وسلم- في مكة، واهتزت قبيلة الخزرج للأنباء التي ذكرها رجال الأوس عن النبي الجديد في مكة، ورأوا أن أحوالهم في يثرب تدفعهم إلى معرفة دعوته -صلى الله عليه وسلم- ذلك أن سكان يثرب من الأوس، والخزرج قد سمعوا من جيرانهم اليهود بقرب ظهور نبيٍ، وأن اليهود يستغلون هذه النبوءة لفرض سيادتهم على يثرب كلها.

ولذا حين خرج إلى سوق عكاظ نفر من بني عبد الأشهل من الخزرج، والتقوا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- كانوا أسبق أهل يثرب إلى قبول الدعوة الإسلامية؛ حتى لا ينال الأوس، أو اليهود قصب السبق عليهم في هذا السبيل، وتجلت في مناقشة هذا

<<  <   >  >>