الرسول -صلى الله عليه وسلم- يجد أن هذه الغزوات إنما كانت دفاعًا أمام اعتداءٍ واقع، أو في سبيله لأن يقع بأماراتٍ دالة على الحرب؛ فالرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يشتبك في قتالٍ مع النصارى، أو اليهود إلا بعد أن وصل هؤلاء، وأولئك إلى منزلة في السلوك عَريت عن الشرف، والأمانة، والعدالة، واتسمت بالعداوة؛ فلم يكن بين المسلمين -من جانب- واليهود، والنصارى -من جانب آخر- غير حالة الحرب.
والسبب في ذلك أنهم صادروا حقوق المسلمين، وحرياتهم، وصدوهم عن الدعوة إلى الله بمختلف الوسائل، وكانوا يبطشون بمن شرح الله صدورهم للإسلام، ويوقعون بهم ألوان العذاب الذي كان يصل في بعض الأحيان إلى الموت.
بهذا نرى أن حالة الحرب تعتبر قائمة بين المسلمين، وبين هؤلاء، وبناءً على ذلك؛ فالمعارك التي نشبت بين الفريقين إنما خاضها المسلمون دفاعًا عن النفس، والعقيدة.
ونستخلص مما سبق: أن الحرب في الإسلام إنما هي استثناء من أصلٍ عام، وهو: السلم في الإسلام.
أحكام الدارين
نتحدث الآن عن دار الإسلام، ودار الحرب، وأثر ذلك التقسيم.
فبالنسبة لتقسيم الدار نقول: أراد أعداء الإسلام في الجزيرة العربية، والبلاد المجاورة استئصال شأفة الإسلام والمسلمين، والقضاء على دعوة الإسلام في مهدها قبل أن تنتشر، ويكتب لها النجاح، والفوز، والغلبة، وأدى ذلك إلى أن أصبحت مكة بزعامة قريش، وغيرها من بلاد الأعداء دار حربٍ، وصارت المدينة وما جاورها دارَ الإسلام، وتصالح جماعة من المسلمين وسالموهم؛ فكانت بلادهم دارَ عهدٍ.
وفي هذا المعنى يقول ابن القيم: الكفار إما أهل حربٍ، وإما أهل عهد، وأهل العهد ثلاثة أصناف: أهل ذمة، وأهل هدنة، وأهل أمانٍ، وقد عقد الفقهاء لكل صنف بابًا فقالوا: باب الهدنة، وباب الأمان، وباب عقد الذمة.