ثانيًا: استدلوا بالإجماع, وذلك أن الصحابة قد أجمعوا على أنه لا يجوز إلا إمام واحد, حتى إن المهاجرين لم يوافقوا الأنصار عندما نادوا أولًا بأن يكون منهم أمير, ومن المهاجرين أمير, ثم رضي الأنصار بما أبداه المهاجرون فصار إجماعًا.
الدليل الثالث أيضًا على منع التعدد: أن تعدد الأئمة يؤدي إلى وقوع المنازعات والمخاصمات, وهذه تؤدي إلى اختلال أمر الدين والدنيا, فتعدد الأئمة مؤد إلى اختلاف أمر الدين والدنيا, وذلك غير جائز.
أما أصحاب الرأي الآخر, وهم قلة من العلماء, فيقولون بجواز التعدد, واستدلوا على ذلك بأن الإمام جُعل لتحقيق مصالح الأمة, وإذا كان في كل ناحية إمام, كان كل واحد أقوم بما في يديه؛ لقلة المصالح حينئذ, وأضبط في متابعة من يوليهم من الولاة, والقضاة, وسائر الأعمال, وأيضًا استدلوا بأنه لما جاز أن يكون أكثر من نبي في عصر واحد, ولم يؤد إلى إبطال النبوة, جاز ذلك في الإمام من باب أولى؛ لأنها فرع النبوة.
لكن هؤلاء قد ناقشهم جمهور العلماء, وناقشوا هذه الأدلة, واتضح بطلان هذه الأدلة.
أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
٢ - انعقاد الإمامة عن طريق العهد والقهر
تابع انعقاد الإمامة عن طريق أهل الحل والعقد
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، أما بعد:
فقد تحدثنا في المحاضرة السابقة عن شرط القرشية، وشرط تقديم الأفضل بالنسبة لاختيار الإمام وبالنسبة للشروط التي يجب توافرها فيه، وبدأنا الحديث عن الطرق التي تنعقد بها الإمامة العظمى، وتبين لنا أن الطريق الأول: هو اختيار أهل الحل والعقد، وتحدثنا فيه عن البيعة، وعن شروط البيعة، ونكمل الآن عن الحديث عن هذا الطريق فنتكلم عن أهل الحل والعقد، ثم نبين شروطهم، فنقول:
أهل الحل والعقد كما يسميهم غالب العلماء، أو أهل الاختيار كما يسميهم الإمام الماوردي، أو أهل الاجتهاد كما يسميهم البعض الآخر: هم جماعة معينة من فضلاء الأمة يُوكل إليهم النظر في مصالحها الدينية والدنيوية، ومنها اختيار رئيس الدولة أو الإمام الأعظم، فهم المسئولون عن تصفح أحوال الذين يمكن أن يكونوا صالحين لتولي هذا المنصب الخطير، والاجتهاد في ذلك، فمن رأوه صالحًا لتولي هذا المنصب بايعوه