فمن التزم بهذا المبدأ، فالإسلام يوصي بحسن معاملته، ومن خرج على هذا المنهج فالإسلام يأمرنا بالتصدي له، وقتاله وهذه فلسفة الحرب في الإسلام، حروب فاضلة لا عدوان فيها، ولا انتهاك للحرمات، ولا الاعتداء على الكرامة الإنسانية مجرد تأديب لمن يقف في طريق الدعوة حتى يعود إلى رشده، ويتنحى عن موقفه، وهذا ما شهد به الأجانب قبل الأقارب، والأعداء قبل الأصدقاء.
التخطيط للهجرة
وبعدما انتهينا من النموذج الأول للتخطيط الإداري في الإسلام، وهو التخطيط لنشر الدعوة الإسلامية.
ننتقل الآن إلى النموذج الثاني، وهو التخطيط للهجرة، فنقول: الباحث العلمي المدقق، والمحايد لا يحتاج إلى كثير من الوقت للاقتناع بحقيقة أن كل مبادئ لتخطيط العلمي، قد تجلت بوضوح قاطع في مراحل الهجرة، وكأن الإسلام قد أراد أن يقدم من خلالها نموذج يحتذى من قبل المسلمين للتخطيط العلمي السليم.
لقد تمت الهجرة في ظروف قاسية، وحصار من قبل المشركين، وتحدٍ مجنونٍ من أجل منع وقوع هذا الحدث التي كانت تدرك قريش ماله من آثار خطيرة على مستقبلها وكيانها كله، فبذلت قصارى جهدها للحيلولة دونه، ووضع الرسول -صلى الله عليه وسلم- تؤيده العناية الربانية، وضع خطته لمواجهة كل الظروف، والاحتمالات بشكل يجعل العقل يقف عاجزًا أمام عظمة هذه العبقرية النبوية.
لقد كان الهدف الأساسي من الهجرة هو البحث عن أرض صالحة لقيام مجتمع إسلامي بعد أن تيقن الرسول صلوات الله وسلامه عليه أن مكة ليست هي الأرض المهيأة لاحتضان الرسالة الإسلامية، ولتحقيق هذا الهدف بدأ الرسول -عليه الصلاة والسلام- في تجميع الحقائق، وتوصيف المجال الذي يتم العمل فيه، ووفقا للمفاهيم الإدارية الحديثة كانت الخطوة التالية هي المقارنة بين البدائل المتاحة لاختيار أفضلها، وكان أمام الرسول -صلى الله عليه وسلم- آنذاك بدائل ثلاثة: