وكان أصحابه كلما شكوا إليه ما يصيبهم من الأذى، ويطلبون منه الإذن لهم بالقتال، يقول: لهم صبرا فإني لا أمر بقتال، وأخيرا حانت اللحظة المناسبة، فقد استقر الإسلام في المدينة، وأصبح قوة قادرة على رد العدوان، كما أن يهود المدينة تعاونوا مع قريش، وأخذوا في الكيد للرسول، ودعوته فكان لا بد من ردعهم، وجاء الإذن من السماء واضح محددًا في قول الله تعالى:{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}(الحج: الآيتان ٤٠،٣٩).
إلا أن هذا الإذن لم يكن أمرًا بالعدوان، وإنما كان إذنا برد العدوان، ولقد جاءت الآيات بعد ذلك توضح المعنى، وتحدد الهدف {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}(البقرة: ١٩٠).
وبالنسبة للفتوح الإسلامية، نجد أن الإسلام وهو دين عام شامل جاء لهداية الناس جميعا في مشارق الأرض ومغاربها، مصداقا لقوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا}(سبأ: من الآية ٢٨) وقوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا}(الأعراف: من الآية ١٥٨) ومن ثم كان على صاحب الرسالة عليه الصلاة والسلام أن يبلغها إلى كافة شعوب الأرض، فمن دخل فيها راضيا مرضيا فقد هدي إلى سبيل الرشاد، ومن لم يرد الله له بالهداية، فلا إكراه في الدين على ألا يعطل سيرها، ولا يعتدي على أهلها