وإذا كان المأخوذ هو العفو, أي ما زاد عن الحاجات الأصلية, فإنه يترتب على ذلك إعفاء غير القادرين ممن لا تحتمل طاقتهم التكليف بالجزية, ويدل على ذلك ما روي في كتاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى أهل نجران, وجميع النصارى, من أنه ولا خراج ولا جزية إلا على من يكون في يديه ميراث من ميراث الأرض, ممن يجب عليه فيه للسلطان حق, فيؤدي ذلك على ما يؤديه مثله, ولا يجار عليه, ولا يحصل منه إلا قدر طاقته, وقوته على عمل الأرض وعمارتها, وإقبال ثمرتها, ولا يكلف شططًا, ولا يتجاوز به حد أصحاب الخراج من نظرائه.
فالرسول -صلى الله عليه وسلم- في هذا يأمر بالمساواة بين المكلفين, متى كانت ظروفهم متماثلة, ولا يكلف الممول فوق طاقته, وأن من ليس عنده مقدرة على دفع الجزية يعفى منها, يدل على ذلك ما ورد في الكتاب: لا خراج, ولا جزية, إلا على من يقوم في يده ميراث من ميراث الأرض, وهذا معناه إعفاء غير القادرين من أداء الجزية.
ومما يدل على ذلك أيضًا أن عمر بن الخطاب أسقط الجزية أربعة وعشرين شهرًا عن نصارى نجران, حين أجلاهم إلى العراق, حتى يستقروا, ويبدءوا الإنتاج.
ويتضح من ذلك أن الفترة ما بين الإجلاء, وبدأ الإنتاج, وهي أربعة وعشرون شهرًا, لم يكن فيها لدى أهل نجران أموال تكفي لأن تكون وعاء للجزية, وبالتالي لم يتحقق بالنسبة لهم وصف الغنى الذي هو شرط لوجوب الجزية, ولذلك أعفاهم عمر بن الخطاب من الجزية في تلك الفترة.
ونكتفي بهذا القدر من المحاضرة استودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
٢ - تابع: الجزية، ثم الحديث عن الخراج
تابع: مراعاة ظروف المكلفين بالجزية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
نواصل الحديث عن الأدلة التي تدل على أن الشريعة راعت ظروف هؤلاء المكلفين بالجزية وأعفت غير القادرين منها، فنقول:
من الأدلة على ذلك ما روي أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه وأرضاه- أسقط الجزية عن المسكين الذي يتصدق عليه، فقد روي أن عمر بن الخطاب -رضوان الله عليه- مر بباب قوم