وظل الرسول -صلى الله عليه وسلم- حريصًا على اختيار رجال إدارته من المشهود لهم بالكفاءة, ومنهم أبو سفيان بن حرب, الذي ولاه على نجران, لشئون الصلاة, والحرب, على حين وجه معه راشد بن عبد الله أميرًا على القضاء, والمظالم, وكان عنصر الشباب هو الغالب على رجال الإدارة زمن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومن أصحاب الهيبة في النفوس, وكان ثلاثة أرباع عماله من بني أمية, الذين كان لهم في الجاهلية نشاط واسع في شئون مكة الإدارية.
وبهذا نكون قد انتهينا عن الحديث عن الإدارة في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم.
الإدارة في عهد أبي بكر -رضي الله عنه-
ونعرج الآن على الإدارة في عهد أبي بكر -رضوان الله تبارك وتعالى عليه- فنقول:
استهل أبو بكر ولايته بخطبته المشهورة, التي يعتبرها المؤرخون, والناقدون -رغم إيجازها- دستورًا للحكم, وتمسكًا كاملًا بسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- والجهاد في سبيل الله, والتأليف بين قلوب المسلمين.
قال أبو بكر في أول خطبة له, بعد أن حمد الله, وأثنى عليه, وصلى على نبيه -صلى الله عليه وسلم-:
أما بعد: أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم, فإن أحسنت فأعينوني, وإن أسأت فقوموني, الصدق أمانة, والكذب خيانة, والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ الحق له -إن شاء الله- والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه -إن شاء الله- لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل, ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء, أطيعوني ما أطعت الله ورسوله, فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم, ثم قال: قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.
هذه هي الخطبة التي بدأ بها أبو بكر الصديق حكمه على المسلمين, بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم.