ننتقل الآن إلى موضوع آخر من الموضوعات التي هي في المقرر: في العلاقة، أو السياسة الخارجية للمسلمين بغيرهم، وهي: المعاهدات فنقول: العلاقات الدولية في الإسلام تستمد قواعدها من المبادئ الإنسانية العامة في حالتي السلم، والحرب.
والعدل، والحرية، والكرامة الإنسانية، والوفاء بالعهد، والمعاهدة بالمثل عند الضرورة، والحاجة، ودون التلوث بمفاسد الدناءة، والخسة، ومن تلك المبادئ أيضًا الفضيلة، والرحمة، والتقوى، والتعاون الإنساني -كما بينا ذلك بالتفصيل- لأن الإنسان أخٌ للإنسان؛ أحب، أم كره، ونحو ذلك مما تضمنه وأعلنه القرآن الكريم، والسنة النبوية.
كما تستمد قواعدها من العرف الصحيح المشروع، غير المصادم لأصول الدين الإلهي الحق، ومن المعاهدات التي تعقد بين المسلمين، وغيرهم كالعهود التي صدرت عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- والخلفاء الراشدين، والملوك العادلين، والأمراء المتقين في تقرير الأمان، وعقد الذمة، والصلح، وسوف نتناول في هذا الأمر المفاهيم الأساسية للمعاهدات، وأهميتها، ومشروعيتها، ثم قاعدة الوفاء بالعهد، ثم نبين الإطار العام الذي تبرم فيه المعاهدات.
أولاً: تحديد مفاهيم المعاهدة، والميثاق، والعهد، والعقد.
فنقول: المعاهدة، والميثاق، والعهد، والعقد في أصل اللغة العربية -بمعنى واحدٍ مترادف، وهو كل ارتباطٍ بين طرفين على أمرٍ معين، وأما عند فقهاءنا؛ فإن المعاهدة هي: عقد العهد بين فريقين على شروط يلتمسونها، والعهد في الشريعة الإسلامية له معنى أوسع من كلمة عهد في القانون الدولي الوضعي؛ إذ هو أساسًا اتفاق الإرادتين -بصرف النظر عن الشكل، أو الإجراء- والعهد في فقهنا