للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بيان المصارف الأخرى تاركًا ذلك لاجتهاد أولي الأمر؛ إذ إن النصيب الذي كان للرسول أصبح بعد وفاته ينفق على مصالح المسلمين.

هذا بالنسبة للأشياء التي أنشأها عمر -رضي الله تبارك وتعالى عنه- ورأينا كيف أن عمر أوقف العطاء عن المؤلفة قلوبهم, وذوي القربى, فأتيحت بذلك لولاة الأمور أن يتصرفوا في هذه الأشياء حسبما تقتضي الحاجة, فكان عمر يصرف الزكاة, وخُمس الغنائم, والفيء, على ما رسم الشارع الإسلامي, وكان يدخر مما عداها في بيت المال القدر الذي يفي بالنفقات الأخرى, والرواتب طوال العام, وهكذا أنشأ بيت المال الذي يعتبر أول وزارة مالية في الدولة الإسلامية.

وبهذا نكون قد انتهينا من هذه المحاضرة، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

٥ - رقابة عمر بن الخطاب لعماله، والإدارة عند الأمويين، والوزارة في الإسلام

رقابة عمر بن الخطاب لعماله

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فقد تحدثنا في المحاضرة السابقة عن الإدارة في عهد عمر بن الخطاب، وبيّنا التنظيمات الإدارية التي أنشأها عمر بن الخطاب والتي تكمن في الدواوين المختلفة ثم إنشاءه لبيت المال ثم جعله التجنيد إجباريًّا في الجيش المسلم، ونريد الآن أن نتحدث عن رقابة عمر لعماله فنقول:

كان لعمر طرقه الخاصة في اختيار الولاة والعمال، فهو لم يعين واليًَا أو عاملًا إلا بعد اختبارات واسعة علنية وسرية، وبعد أن يسأل عنه ويتأكد من صلاحيته، وكان يشترط عليه ألا يغلق بابه دون حوائج الناس، وأيضًا كان لا يولي عملًا لرجل يطلبه وكان يقول في ذلك: من طلب هذا الأمر لم يُعن عليه، يعني: لم يمكّن منه، وقد سار على هذا النهج اقتداء بسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- إذ قال لطالب عمل: ((إنا لا نستعين على عملنا بمن يطلبه)).

وكان عمر لا يولي أحدًا لا يرحم، فقد أمر بكتابة عهد لرجل قد اختبره وأراد أن يعيّنه فبينما الكاتب يكتب جاءه صبي فجلس في حجر عمر فلاطفه فقال الرجل: يا أمير المؤمنين لي عشرة أولاد مثله ما دنا أحد منهم مني قال عمر: فما ذنبي إن كان الله -عز وجل- نزع الرحمة من قلبك، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء ثم قال: مزّق الكتاب فإنه إذا لم يرحم أولاده فكيف يرحم الرعية.

<<  <   >  >>