٣ - العشور، ومفهوم السياسة ومرتكزاتها في الإسلام ومصادر الأحكام السياسية في النظام الإسلامي
من الموارد المالية للدولة الإسلامية: العشور
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فقد كنا نتحدث في المحاضرات السابقة عن النظام المالي في الإسلام، وتحدثنا عن أهم الموارد المالية في الإسلام، وهي: الزكاة، والجزية، والخراج، وكان حديثنا في هذه الموارد عن كيفية تحقيق المساواة، والعدالة بين المكلفين بهذه الموارد، إلا أنه ينبغي أن نضيف إلى هذه الموارد موردًا آخر، وهو العشور.
فنقول: مضى عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر -رضي الله عنه- ولم تكن الدولة الإسلامية في حاجة إلى المال؛ لقلة المرافق، وعدم الحاجة؛ حتى كان عهد عمر -رضي الله عنه- فاتسعت الدولة الإسلامية -بما فتح الله على المسلمين من البلاد- فكانت الحاجة داعية إلى فرض الضرائب؛ لسد الحاجة؛ لذا فرض عمر العشور، فنظام العشور يرجع إلى عهد عمر بن الخطاب؛ فقد روي أن أبا موسى الأشعري كتب إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن تجارًا من قبلنا من المسلمين يأتون أرض الحرب؛ فيأخذون منهم نصف العشر؛ فكتب إليه عمر قائلًا: خذ أنت منهم كما يأخذون من تجار المسلمين، وخذ من أهل الذمة نصف العشر، ومن المسلمين من كل أربعين درهمًا درهمًا -أي: ربع العشر- وليس فيما دون المائتين شيء، فإذا كانت مائتين ففيها خمسة دراهم، فما زاد فبحسابه.
ومن هذا يتضح أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- جعل الناس في العشور على ثلاث درجات: مسلمين، ويؤخذ منهم ربع العشر، وذميين، ويؤخذ منهم نصف العشر، وحربيين، ويؤخذ منهم كما يأخذون من المسلمين؛ لأن الأمر فيما بينهم وبين المسلمين مبني على المعاملة بالمثل، وعلى الإمام أن يزيد عن العشر، أو أن ينقص عنه إلى نصف العشر، أو أن يرفع ذلك عنهم إذا رأى في ذلك مصلحة، ولا يزيد ما يؤخذ على مرة من كل قادم بالتجارة كل سنة، ولو تكرر قدومه، وكانت هذه الضريبة لا تؤخذ من التاجر إلا إذا انتقل من بلاده إلى بلاد أخرى، وهذا ما نسميه في الوقت الحاضر: بالضرائب الجمركية.
وبالنسبة لضريبة العشور يمكن الرجوع إلى كتاب (النظام المالي) في الإسلام دكتور عبد الخالق النوواي صفحة ١١٧، وما بعدها، وكتاب (النظم الإسلامية) للدكتور حسن إبراهيم ص ٢٣٩، وما بعدها.