على ذلك قول الماوردي: وما جاوز قدر الحاجة مأخوذ بخراجه، ومفهوم ذلك أن ما لا يجاوز قدر الحاجة معفي من الخراج.
أيضًا فإن التشريع الإسلامي يعفي من الخراج الملبس والمأكل ودواب الركوب باعتبار هذه الأشياء من الحاجات الأصلية يدل على ذلك قول علي بن أبي طالب لعامله على الخراج: إذا قدمت عليهم أي: المكلفين بالخراج، فلا تبيعن لهم كسوة شتاء ولا صيف، ولا رزقا يأكلونه، ولا دابة يعملون عليها، ولا تبع لأحد منهم عرضًا في شيء من الخراج. يرجع في ذلك إلى (الأموال) لأبي عبيد صـ٥٥ وما بعدها، وهذا الإعفاء المقرر للحد الأدنى اللازم للمعيشة لا يتعارض فيما نرى مع مبدأ المساواة بين المكلفين بضريبة الخراج في تحمل تلك الضريبة، وذلك لأن حاجة الإنسان وحاجة أهله وولده ومن تلزمه نفقتهم مقدمة على حاجة غيره، فكيف يطلب الخراج من المكلف الذي يكون في مسيس الحاجة إلى ما معه من مال، وقد رأينا آنفًا أن المساواة في هذا المجال يقصد بها أن يتحمل كل فرد قدرًا من الأعباء المالية المقررة في الدولة يتفق مع طاقته ومقدرته المالية، ومن غير شك فإن المكلف الذي يكون في حاجة ماسة إلى ما معه من مال ليست عنده طاقة على أداء الخراج، وبالتالي فإعفاؤه من أداء الخراج لا يتعارض مع مبدأ المساواة بين المكلفين في تحمل التكليف بالخراج كل حسب مقدرته المالية.
ومما يراعى أيضًا اختلاف المقدار الواجب من الخراج باختلاف الجهد المبذول، ميز الفقه الإسلامي بين الخارج من أرض الخراج حيث فاوت بين المقدار الواجب بتفاوت الجهد المبذول، فما بذل في إنتاجه جهد ومشقة كبيرة قل المقدار الواجب فيه، وما بذل في إنتاجه جهد ومشقة أقل أو لم يبذل أصلًا زاد المقدار الواجب فيه.
وبهذا نكون قد انتهينا من هذه المحاضرة نكتفي بهذا القدر أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.