وروي عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:((بينما كلب يطيف ببئر قد كاد يقتله العطش، إذ رأته بغيٌّ من بغايا بني إسرائيل، فنزعت خفها، فاستقت له، فسقته إياه، فغفر لها به)) فإذا كانت الرحمة بكلب تغفر ذنوب البغايا، فإن الرحمة بالبشر لا شك تصنع العجائب، بل إن الإسلام شديد المؤاخذة لمن تقسوا قلوبهم على الحيوان، ويستهينون بآلامه، وقد بينا أن الإنسان -على عظم قدره- يدخل النار في إساءة يرتكبها مع دابة عجماء، يقول -صلى الله عليه وسلم-: ((دخلت امرأة النار في هرة حبستها، فلا هي أطعمتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض)).
والإسلام يدعو إلى الرحمة بأوسع معانيها مع المسلم وغير المسلم، مع الإنسان والحيوان كما رأينا.
وفي العلاقات الدولية يضرب المثل الأعلى في حالة الحرب، واستعمال الرحمة مع الأعداء، فلا يقتل النساء في حالة الحرب ما لم يشتركن في القتال، وكذلك لا يقتل الأطفال والشيوخ؛ فقد روي أن امرأة وجدت مقتولة في بعض مغازي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((فأنكر -صلى الله عليه وسلم- قتل النساء، والصبيان)).
وما أروع مظاهر الرحمة التي كانت منه -صلى الله عليه وسلم- يوم فتح مكة لما دخلها منتصرًا، وقريش قد ملأت المسجد صفوفًا، ينتظرون ماذا يصنع بهم؟ ثم قال:((يا معشر قريش، ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيرًا، أخ كريم وابن أخ كريم، قال: فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته: {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} (يوسف: من الآية: ٩٢) اذهبوا، فأنتم الطلقاء)).
أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
٥ - السلم أساس العلاقة بين المسلمين وغيرهم، وأحكام الدارين، ومقدمة عن المعاهدات في الإسلام
أساس العلاقة بين المسلمين، وغيرهم: السلم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، أما بعد:
فقد تحدثنا -في المحاضرة السابقة- عن باقي الأسس التي قامت عليها العلاقات الدولية في الإسلام، وهي الحرية الدينية، والعدل، والوفاء بالعهد، والفضيلة، والتسامح، والرحمة.
وننتقل الآن إلى الحديث عن أساس العلاقة بين المسلمين، وغيرهم، وهي السلم فنقول: الأصل في العلاقات الدولية في الإسلام هو السلم -وإذ يقرر الإسلام أن السلم أصل من أصول العلاقات الإنسانية بين الدول- لا يسمح للمسلمين أن يتدخلوا