وننتقل الآن إلى الحديث عن الإمامة العظمى ونبحث: هل هي مبحث فقهي، أم أنها من مباحث علم الكلام؟ وبمعنى آخر: هل تُبحث في العقائد، أم أنها تُبحث في الأحكام العملية كعلم الفقه؟
هذه مسألة من المسائل التي اختلف فيها الفقهاء، فالإمامة العظمى أو رياسة الدولة من المسائل التي أوجدت في جماهير الأمة الإسلامية الاهتمام البالغ، والخلاف الذي وصل في بعض الأحيان إلى حد لقاءات السيوف تحملها على الجانبين أيدي مسلمين، ولعل هذا هو ما حدا بأحد كبار مؤرخي الفرق الإسلامية على أن يقول: وأعظم خلاف بين الأمة خلاف الإمامة؛ إذ ما سلّ سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثلما سل على الإمامة في كل زمان وهذا رأي الشهرستاني في (الملل والنحل) في الجزء الأول صـ٢١.
الشهرستاني يقول: أعظم خلاف بين الأمة خلاف الإمامة، ويبين أن السيوف لم ترفع ويقتتل المسلمون إلا على قاعدة دينية مثل الإمامة، يعني: كأن الإمامة من أكثر الأمور التي سلّت السيوف من أجلها، لكن الملاحظ أن عبارة الشهرستاني هذه فيها شيء من المبالغة، إذ أنه عمم حكمه على كل زمان فهو يقول: إذ ما سل سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سلّ على الإمامة في كل زمان، فهو عمّم حكمه على كل زمان قاطعًا بأن الخلاف الناشئ عن الإمامة كان أعظم خلاف بالسلاح.
نرد عليه ونقول: لم يكن بين أفراد الأمة خلاف في الإمامة أيام أبي بكر وعمر وعثمان، لا بسيف أو بغير سيف، ولم تسلّ السيوف أيامهم على شيء من الدين سوى ما كان زمن أبي بكر من لقاء بالسيوف بين المسلمين وبين المرتدين ومانعي الزكاة، وما حدث في يوم السقيفة قبل مبايعة أبي بكر خليفة للمسلمين لا يعدّ نزاعًا بين طائفتين من المسلمين مسلحًا أو غير مسلح، وإنما هو نقاش وحوار بين مجموعتين كل منهما ترى رأيًا تؤمن بوجوب إبدائه، فلما رأت