الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، أما بعد:
ننتقل إلى موضوع آخر، وهو: أدلة اعتبار السياسة الشرعية - يعني: الأدلة التي تدل على أنه ينبغي أن نأخذ بالسياسة الشرعية، هناك وجوه كثيرة تشهد باعتبار السياسة الشرعية، أو تدل على أنه ينبغي على المسلمين ألا يهملوا السياسة الشرعية، وأنه يجب عليهم أن يأخذوا بأحكامها، وفي مواطنها المختلفة، وهذا الموضوع مشروح بالتفصيل في كتاب (السياسة الشرعية للشيخ عبد الرحمن تاج صـ٦٥)، ومن أولى هذه الوجوه التي تدل على اعتبار السياسة الشرعية، أولًا: إنا عهدنا مع الشرائع السماوية السابقة- أنها كانت تراعي مصالح الأمم، وحاجات كل زمن؛ فكانت تغير في شريعة أحكامًا من شريعة سابقة من أجل تغير الظروف والأحوال، ومن الأمثلة على ذلك: فقد كان محرمًا على بني إسرائيل العمل يوم السبت، وكان محرمًا عليهم بعض شحوم الحيوان بعد أن كان ذلك حلالًا لمن قبلهم، ثم عاد إلى الحل لمن بعدهم، ومعنى ذلك أن هذه الأشياء؛ تحريم العمل يوم السبت، وتحريم بعض شحوم الحيوان، إنما فرضت على أناسٍ بعينهم، ولم تفرض على غيرهم، وربما كان ذلك سببه تغير الظروف، وتغير الأحوال، وهذا إن دل فإنما يدل على الأخذ بالسياسة الشرعية.
فكأن الشرائع في حد ذاتها تراعي الأخذ بمبدأ السياسية الشرعية، وهو أن الأحكام تتغير بتغير الزمان تغير الأحكام بتغير الأزمان، كان موجودًًا، أو كان مراعى في الشرائع السابقة، وأيضًا من الأمثلة على ذلك: كان حلالًا -أول عهد الإنسان- أن يتزوج الرجل بأخته، أو عمته، ثم حرم ذلك لما تعدد النسل، وتكاثرت أفراد النوع - يعني: معنى ذلك كان يباح، أولًا للرجل أن يتزوج بأخته، أو عمته، لكن كان ذلك لسبب معين، لم