الحمد لله رب العاملين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعاملين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
نتحدث الآن عن معاني الخليفة والإمامة، وغير ذلك من المسائل المتصلة بهما، فنقول -وبالله التوفيق-:
قبل الكلام في المذاهب الإسلامية حيال نصب الرئيس الأعلى للدولة، سنتعرض أولًا لبيان الألقاب التي كانت تطلق على القائم بأمور المسلمين، فألقاب: الخليفة، وأمير المؤمنين، والإمام، كانت تطلق على من له السلطة التنفيذية العليا في الدولة الإسلامية، وكان لكلٍّ منها ظروف وملابسات تاريخية، أدت إلى ظهروه وإطلاقه على رئيس الدولة.
الخلافة:
في الأصل مصدر "خَلَفَ" يقال: خَلَفَ فُلَانٌ فُلَانًا فِي قَوْمِهِ يَخْلُفُهُ خِلَافَةً فَهُوَ خَلِيفَةٌ. قال صاحبا القاموس وشرحه: وَخَلَفَهُ فِي قَوْمِهِ خِلَافَةً. والقياس يقتضيه؛ لأنه بمعنى الإمارة. وفي كتب اللغة ما يدل على أن الفعل "خَلَفَ" يدل على قيام إنسان مقام آخر فيما كان يقوم الأول به، سواء كان الأول هو الذي استخلفه، أم جاء الثاني بعده دون أن يستخلفه الأول، ففي الصحاح ويقال: خَلَفَ فُلَانٌ فُلَانًا إِذَا كَانَ خَلِيفَةً. يقال: خَلَفَهُ فِي قَوْمِهِ خِلَافَةً. ومنه قوله تعالى:{وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي}(التوبة: من الآية: ١٤٢) وخَلَفْتُهُ أيضًا: إذا جئت بعده. وفي (مختار الصحاح): وخَلَفَ فُلانٌ فُلَانًا إِذَا كَانَ خَلِيفَتَهُ. يقال: خَلَفَهُ في قومه، ومنه قوله تعالى:{اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي} وخَلَفَهُ أَيْضًا جَاءَ بَعْدَهُ.
ومن ذلك يتبين أن لفظ "الخلافة" في الأصل مصدر "خَلَفَ" ثم بعد ذلك أطلق في العرف العام على الزعامة العظمى، وهي الولاية العامة على سائر أفراد الأمة، والقيام بتيسير شئونها، والنهوض بكل ما يحقق مصالحها وفق ما أمر به الشارع -تبارك وتعالى.