الجزية هم من رعايا الدولة الإسلامية, فالمسلمون يدفعون الجزية فكان العدل يقتضي أن غير المسلمين يدفعون شيئًا آخر، وهو المتمثل في الجزية، المسلمون يؤدون الزكاة, وأما أهل الذمة فإنما يؤدون الجزية, وهذا نوع من المساواة بين رعايا الدولة الإسلامية, فالمسلمون يستفيدون من المرافق العامة في الدولة الإسلامية، وغير المسلمين أيضًا يستفيدون من المرافق العامة في الدولة الإسلامية؛ لذلك كان العدل أن يتحمل كل فريق ما يناسبه من تكاليف هذه المرافق، فالمسلمون يدفعون الزكاة، فكان العدل يقتضي أن يدفع غير المسلمين -وهم أهل الذمة- الجزية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
٣ - النظام المالي في عهد عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب -رضي الله عنهما
تابع: تطور النظام المالي في عهد عمر بن الخطاب
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين, سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, أما بعد:
فقد تحدثنا في المحاضرة السابقة عن النظام المالي في عهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وتحدثنا عن اتجاه عمر بالنسبة لتوزيع العطاء؛ إذ كان يفاضل بين الناس في ذلك. ورأينا أيضًا الموقف الحازم الذي اتخذه عمر بن الخطاب بالنسبة للأرض التي غنمها المسلمون من سواد العراق؛ حيث أوقفها على المسلمين، ولم يقسمها على الغانمين، وفرض عليها الخراج؛ ليكون موردًا ماليًّا من الموارد المالية في الدولة الإسلامية.
ونكمل في هذه المحاضرة المعالم الرئيسية التي سار عليها عمر بن الخطاب في السياسة المالية للدولة الإسلامية فنقول:
استلزم تطبيق التشريع المالي الجديد الخاص بالأراضي المفتوحة خلق أداة تنفيذية تشرف على متطلبات هذا النظام الجديد؛ وذلك أن هذا التشريع نصّ على تعويض الجند بمنحهم أعطيات مقابل الأرض التي كانوا يتطلعون إلى قسمتها فيما بينهم، وجاء الإحصاء الخاص بمساحة تلك الأراضي المفتوحة ومن عليها من السكان مليئًا بأرقام هائلة وخيالية، وكانت السلطات الساسانية والبيزنطية -صاحبة السيادة على تلك الأراضي قبل الفتح الإسلامي- تفرض على الأرض خراجًا -وهي ضريبة عينية فادحة- وكانت تفرض على السكان جزيةً -وهي ضريبة مالية جائرة- ورأى الخليفة عمر بن الخطاب أن يبقي على كلٍّ من الخراج والجزية، ولكن بصورة تتفق مع عدالة الإسلام، ومراعاة الصالح العام للرعايا الجدد للدولة الإسلامية، فصار تقدير الخراج يراعى فيه واقع الأرض، وإنتاجها، وما يحفظ لها الازدهار والنماء، أما الجزية التي قررها الإسلام فلم تكن تحمل المعنى القديم الدال على القهر والذلة والاستغلال، وإنما كانت تؤدى في ظل الإسلام مقابل حماية الدولة لدفعها، ولحريتهم ومعابدهم، أي أنها كانت أشبه بضريبة الدفاع، وسبيلًا لخلق توازن بين دافعي الجزية من رعايا الدولة -الذين