والجانب الثالث: بناء المسجد، واتخاذه مقرًا للحكم، كان من أول الأعمال التي قام بها الرسول في المدينة بناء المسجد النبوي الشريف، فكان هو المكان الذي يقيم فيه المسلمون شعائرهم ويتعلمون فيه القرآن، ويتفقهون في أمور دينهم كما كان مقرًا للحكم ودارًا للشورى ومدرسة لتلقي العلم، ودارًا للقضاء.
وهكذا نكون قد انتهينا من الحديث عن المنهج الإسلامي في التخطيط، والذي أخذنا تطبيقا له ثلاث حالات:
هي التخطيط لنشر الدعوة الإسلامية، والتخطيط للهجرة، وتخطيط الحياة في المدينة بعد الهجرة.
ونكتفي بهذا القدر، أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
٣ - المنهج الإداري الإسلامي في التنظيم, والرقابة والإدارة في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر
المنهج الإسلامي في التنظيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد, وعلى آله, وأصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ... أما بعد:
نشرع الآن في الحديث عن منهج الفكر الإداري الإسلامي في التنظيم فنقول:
مما لا شك فيه أن الإسلام هو دين التنظيم بمعناه العام, والمتأمل لقول الله -تبارك وتعالى: {وَآيَةٌ لَهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} (يس: الآيات: ٣٧ - ٤٠) فالمتأمل لهذه الآيات العظيمة يرى التنظيم الدقيق الرائع, والترتيب المحسوس لأشياء تتحد وتتعاون في نظام دقيق؛ من أجل تحقيق هدف عظيم, هو استمرار الحياة في الكون, والجسم الإنساني كما خلقه الله فسواه فأحسن خلقه وتسويته, مثلٌ واقع, يدل على التنظيم الدقيق, يقول تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا