ذلك جميع الأحكام، بل إننا نلاحظ: أن الاعتماد على الاستحسان في المجالات السياسية قد يكون أكثر مناسبة مراعاة للمصالح المتغيرة التي تختلف باختلاف الأزمان، وقد يؤدي إعمال القواعد القياسية أحيانًا إلى إهدار بعض هذه المصالح المعتبرة، كما ذكر.
المصالح المرسلة
ومن هذه المصادر -أيضًا التي تعتمد على الرأي- من هذه المصادر المصالح المرسلة.
والمصالح المرسلة كمصدر للأحكام السياسية والدستورية في النظام الإسلامي.
أولًا: المصلحة هي عبارة عن جلب المنفعة أو درء المفسدة، وهي على ثلاثة أقسام: قسم شهد الشرع باعتباره، ويعرف بالمصالح المعتبرة، وهي عبارة عن اقتباس الحكم من معقول النص أو الإجماع، وقسم شهد الشرع ببطلانه، وهو ما يعرف بالمصالح الملغاة، كإيجاب الصوم بالوقاع في رمضان على الملوك والحكام؛ لكون العتق سهلًا بالنسبة لهم، فلا ينزجرون به، والكفارة إنما وضعت للزجر، فهذه مصلحة باطلة؛ لمخالفتها الصريح المنصوص، بمعنى: أن هذه المصلحة -الذين قالوا بذلك أو بعض الذين قالوا بذلك- رأوا أن الإنسان إذا كان غينًا وجامع زوجته في نهار رمضان، قالوا: عليه القضاء والكفارة، والكفارة هنا: إنما هي مرتبة، فالكفارة تبدأ بعتق رقبة، فبعض الفقهاء قالوا: لو ألزمنا هذا الغني بعتق رقبة، وهو عنده الرقاب كثيرة، فلن ينزجر من هذا، ولذلك قالوا: المصلحة تقتضي أن نلزمه بالصيام ليحس بالعقوبة أكثر من إلزامه بالعتق الذي لا يكلفه كثيرًا- هذه المصلحة التي نظروا إليها هي مصالح ملغاة لا يعتبرها الشارع، لماذا لا يعتبرها الشارع؟ لأنها تتعارض النص، النص يبين أن أولى هذه الكفارات هي عتق رقبة، ولم ينظر إلى ما إذا كان الذي ارتكب هذا الشيء الذي أوجب الكفارة -وهو جماع الزوجة- لم ينظر الشارع إلى: ما إذا كان غنيًا أو فقيرًا، ولذلك هذه المصلحة التي تغياها هؤلاء الفقهاء تعتبر مصلحة ملغاة، لا اعتداد بها في الشارع؛ لأنها تخالف النص.