وعليه سائل يسأل شيخ كبير ضرير البصر، فضرب عضده من خلفه وقال: من أي أهل الكتاب أنت؟ فقال: يهودي، فقال: فما ألجأك إلى ما أرى؟ قال: أسأل الجزية والحاجة والسن، فأخذ عمر بيده وذهب به إلى منزله فرضخ له بشيء من المنزل -يعني: أعطاه شيئا- ثم أرسل إلى خازن بيت المال، فقال له: انظر هذا وضرباءه، فوالله ما أنصفناه إن أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم، أي: عند الكبر، ثم قال:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ}(التوبة: من الآية: ٦٠) والفقراء هم: المسلمون، وهذا من المساكين من أهل الكتاب، ووضع عنه الجزية وعن أمثاله، يرجع في ذلك إلى (الخراج) لأبي يوسف.
ومن الأدلة أيضًا أنه قد جاء في كتاب صلح الحيرة أيما شيخ ضعف عن العمل أو أصابته آفة من الآفات أو كان غينًا فافتقر، وصار أهل دينه يتصدقون عليه طرحت جزيته يعني: لن تؤخذ منه الجزية، وعيل من بيت مال المسلمين وعياله ما أقام في دار الإسلام أي: أنه إذا أصابته آفة الفقر لا تؤخذ منه الجزية، وأيضًا يعطى من بيت مال المسلمين ما يكفيه هو وأولاده.
أيضًا أنه قد روي عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى عامله عدي بن أرطأة كتاب جاء فيه: ثم انظر من قبلك من أهل الذمة قد كبرت سنة وولت عنه المكاسب، فأجري عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه، انظر إلى من كان عندك أصبح كبيرًا من أهل الذمة ولم يستطع أن يتكسب الأموال فأعطه من بيت مال المسلمين، فلو أن رجلًا من المسلمين كان له مملوك كبرت سنه وضعفت قوته وولت عنه المكاسب، كان من الحق عليه أن يقوته حتى يفرق بينهما موت أو عتق، يرجع في ذلك إلى (أحكام أهل الذمة) لابن قيم الجوزية، القسم الأول: صـ٣٧ وما بعدها الطبعة الأولى المحققة ١٩٦١.
وأيضًا ما روي أن عثمان بن حنيف قد قسّم الممولين إلى طبقات حسب المقدرة المالية لكل منهم، وأخضع كل طبقة لمقدار معين على النحو التالي: